ذكر
عبور الموفق إلى مدينة صاحب الزنج
وفيها عبر
الموفق إلى مدينة
الخبيث لست بقين من ذي الحجة ; وكان سبب ذلك أن جماعة من قواد
الخبيث لما رأوا ما حل بهم من البلاء من قبل من يظهر منهم ، وشدة الحصار على من لزم المدينة ، وحال من خرج بالأمان ، جعلوا يهربون من كل وجه ، ويخرجون إلى
الموفق بالأمان .
فلما رأى
الخبيث ذلك جعل على الطرق التي يمكنهم الهرب منها من يحفظها ، فأرسل جماعة من القواد إلى
الموفق يطلبون الأمان ، وأن يوجه لمحاربة
الخبيث جيشا ليجدوا طريقا إلى المصير إليه ، فأمر ابنه
أبا العباس بالمسير إلى النهر الغربي ، وبه
علي بن أبان ( يحميه فنهض
أبو العباس ومعه الشذوات ، والسميريات ، والمعابر ،
[ ص: 387 ] فقصده ، وتحارب هو
وعلي بن أبان ) ، واشتدت الحرب ، واستظهر أبو
العباس على
الزنج ، وأمد
الخبيث أصحابه
بسليمان بن جامع في جمع كثير ، فاتصلت الحرب من بكرة إلى العصر ، وكان الظفر
لأبي العباس ، ( وصار إليه القوم الذين طلبوا الأمان .
واجتاز
أبو العباس ) بمدينة
الخبيث عند نهر الأتراك ، فرأى قلة
الزنج هناك ، فطمع فيهم ، فقصدهم أصحابه وقد انصرف أكثرهم إلى
الموفقية ، فدخلوا ذلك المسلك ، ( وصعد جماعة منهم السور وعليه فريق من
الزنج ، فقتلوهم وسمع
العلوي ) فجهز أصحابه لحربهم ، فلما رأى
أبو العباس اجتماعهم وحشدهم لحربه مع قلة أصحابه ، رحل فأرسل إلى
الموفق يستمده ، فأتاه من خف من الغلمان ، فظهروا على
الزنج فهزموهم .
وكان
سليمان بن جامع لما رأى ظهور
أبي العباس سار في النهر مصعدا في جمع كبير ، ثم أتى أصحاب أبي
العباس من خلفهم ، وهم يحاربون من بإزائهم ، وخفقت طبوله ، فانكشف أصحاب
أبي العباس ، ورجع عليهم من كان انهزم عنهم من
الزنج ، فأصيب جماعة من غلمان
الموفق وغيرهم ، فأخذ
الزنج عدة أعلام ، وحامى
أبو العباس عن أصحابه ، فسلم أكثرهم ثم انصرف .
وطمع
الزنج بهذه الوقعة ، وشدت قلوبهم ، فأجمع
الموفق على العبور إلى مدينتهم بجيوشه أجمع ، وأمر الناس بالتأهب ، وجمع المعابر ، والسفن وفرقها عليهم ، وعبر يوم الأربعاء لست بقين من ذي الحجة ، وفرق أصحابه على المدينة ليضطر
الخبيث إلى تفرقة أصحابه ، وقصد
الموفق إلى ركن من أركان المدينة ، وهو أحصن ما فيها ، وقد أنزله
الخبيث ابنه ، وهو أنكلاي ،
وسليمان بن جامع ،
وعلي بن أبان ، وغيرهم ، وعليه من المجانيق ، والآلات للقتال ما لا حد [ له ] .
فلما التقى الجمعان أمر
الموفق غلمانه بالدنو من ذلك الركن ، وبينهم وبين ذلك السور
نهر الأتراك ، وهو نهر عريض كثير الماء ، فأحجموا عنه ، فصاح بهم
الموفق ، وحرضهم على العبور ، فعبروا سباحة ،
والزنج ترميهم بالمجانيق ، والمقاليع ، والحجارة ،
[ ص: 388 ] والسهام ، فصبروا حتى جاوزوا النهر ، وانتهوا إلى السور ، ولم يكن عبر معهم من الفعلة من كان أعد لهدم السور ، فتولى الغلمان تشعيث السور بما كان معهم من السلاح ، وسهل الله تعالى ذلك ، وكان معهم بعض السلاليم ، فصعدوا على ذلك الركن ، ونصبوا علما من أعلام
الموفق ، فانهزم
الزنج عنه ، وأسلموه بعد قتال شديد ، وقتل من الفريقين خلق كثير ; ولما علا أصحاب
الموفق السور أحرقوا ما كان عليه من منجنيق وقوس وغير ذلك .
وكان
أبو العباس قصد ناحية أخرى ، فمضى علي بن أبان إلى مقاتلته ، فهزمه
أبو العباس ، وقتل جمعا كثيرا من أصحابه ( ونجا
علي ، ووصل ) أصحاب
أبي العباس إلى السور ، فثلموا فيه ثلمة ، ودخلوه ، فلقيهم
سليمان ابن جامع ، فقاتلهم حتى ردهم إلى مواضعهم ، ثم إن الفعلة وافوا السور فهدموه في عدة مواضع ، فعملوا على الخندق جسرا ، فعبر عليه الناس من ناحية
الموفق ، فانهزم
الزنج عن سور باب كانوا قد اعتصموا به ، وانهزم الناس معهم ، وأصحاب
الموفق يقتلونهم ، حتى انتهوا إلى
نهر ابن سمعان ، وقد صارت دار
ابن سمعان في أيدي أصحاب
الموفق ، فأحرقوها ، وقاتلهم
الزنج هناك ، ثم انهزموا حتى بلغوا ميدان
الخبيث ، فركب في جمع من أصحابه ، فانهزم أصحابه عنه ، وقرب منه بعض رجالة
الموفق ، فضرب وجه فرسه بترسه ، وكان ذلك مع مغيب الشمس ، فأمر
الموفق الناس بالرجع ، فرجعوا ومعهم من رءوس أصحاب
الخبيث شيء كثير .
وكان قد استأمن إلى
أبي العباس أول النهار نفر من قواد
الخبيث ، فتوقف عليهم حتى حملهم في السفن ، وأظلم الليل ، وهبت ريح عاصف ، وقوي الجزر ، فلصق أكثر السفن بالطين ، فخرج جماعة من
الزنج فنالوا منها ، وقتلوا فيها نفرا ، وكان بهبود بإزاء
مسرور البلخي ، فأوقع بأصحاب
مسرور ، وقتل منهم جماعة ، وأسر جماعة ، فكسر ذلك من نشاط أصحاب
الموفق .
وكان بعض أصحاب
الخبيث قد انهزم على وجهه نحو نهر الأمير ، والقندل ، وعبادان ، وهرب جماعة من الأعراب إلى
البصرة ، وأرسلوا يطلبون الأمان فأمنهم
الموفق ،
[ ص: 389 ] وخلع عليهم ، وأجرى الأرزاق عليهم .
وكان ممن رغب في الأمان من قواد الفاجر
ريحان بن صالح المغربي ، وكان من رؤساء أصحابه ، أرسل يطلب الأمان ، وأن يرسل جماعة إلى مكان ذكره ليخرج إليهم ففعل
الموفق ، فصار إليه فخلع عليه ، وأحسن إليه ووصله ، وضمه إلى
أبي العباس ، واستأمن من بعده جماعة من أصحابه ; وكان خروج
ريحان لليلة بقيت من ذي الحجة من السنة .