ذكر
خلافة المقتدر بالله
وكان السبب في ولاية
المقتدر بالله الخلافة ، وهو
أبو الفضل جعفر بن المعتضد ، أن
المكتفي لما ثقل في مرضه أفكر الوزير حينئذ ، وهو
العباس بن الحسن ، فيمن يصلح للخلافة ، وكان عادته أن يسايره ، إذا ركب إلى دار الخلافة ، واحد من هؤلاء الأربعة الذين يتولون الدواوين ، وهم :
أبو عبد الله محمد بن داود بن الجراح ،
وأبو الحسن محمد بن عبدان ،
nindex.php?page=showalam&ids=12841وأبو الحسن علي بن محمد بن الفرات ،
وأبو الحسن علي بن عيسى ، فاستشار الوزير يوما
محمد بن داود بن الجراح في ذلك ، فأشار
nindex.php?page=showalam&ids=16419بعبد الله بن المعتز ، ووصفه بالعقل والأدب والرأي ، واستشار بعده
أبا الحسن بن الفرات ، فقال : هذا شيء ما جرت به عادتي أشير فيه ، وإنما أشاور في العمال لا في الخلفاء ، فغضب الوزير وقال : هذه مقاطعة باردة ، وليس يخفى عليك الصحيح .
وألح عليه ، فقال : إن كان رأي الوزير قد استقر على أحد يعينه فليفعل ، فعلم أنه عنى
ابن المعتز لاشتهار خبره ، فقال الوزير : لا أقنع إلا أن تمحضني النصيحة . فقال
ابن الفرات : فليتق الله الوزير ، ولا ينصب إلا من قد عرفه ، واطلع على جميع أحواله ، ولا ينصب بخيلا فيضيق على الناس ويقطع أرزاقهم ، ولا طماعا فيشره في أموالهم ، فيصادرهم ويأخذ أموالهم وأملاكهم ، ولا قليل الدين فلا يخاف العقوبة والآثام ، ويرجو الثواب فيما يفعله ، ولا يول من عرف نعمة هذا ، وبستان هذا ، وضيعة
[ ص: 564 ] هذا ، وفرس هذا ، ومن قد لقي الناس ولقوه ، وعاملهم وعاملوه ، ويتخيل ، ويحسب حساب نعم الناس ، وعرف وجوه دخلهم وخرجهم .
فقال الوزير : صدقت ونصحت ، فبمن تشير ؟ قال : أصلح الموجود
جعفر بن المعتضد ، قال : ويحك ، هو صبي ، قال
ابن الفرات : إلا أنه
ابن المعتضد ، ولم نأت برجل كامل يباشر الأمور بنفسه ، غير محتاج إلينا .
ثم إن الوزير استشار
علي بن عيسى ، فلم يسم أحدا ، وقال : لكن ينبغي أن يتقي الله ، وينظر من يصلح للدين والدنيا ، فمالت نفس الوزير إلى ما أشار إليه به
ابن الفرات ، وانضاف إلى ذلك وصية
المكتفي ، فإنه أوصى ، لما اشتد مرضه ، بتقليد أخيه
جعفر الخلافة ،
فلما مات
المكتفي نصب الوزير
جعفرا للخلافة ، وعينه لها ، وأرسل
صافيا الحرمي إليه ليحذره من دور
آل طاهر بالجانب الغربي وكان يسكنها ، فلما حطه في
الحراقة وحدره ، وصارت
الحراقة مقابل دار الوزير ، صاح غلمان الوزير بالملاح ليدخل إلى دار الوزير ، فظن
صافي الحرمي أن الوزير يريد القبض على
جعفر ، وينصب في الخلافة غيره ، فمنع الملاح من ذلك ، وسار إلى دار الخلافة ، وأخذ له صافي البيعة على الخدم ، وحاشية الدار ، ولقب نفسه
المقتدر بالله ، ولحق الوزير به وجماعة الكتاب فبايعوه ، ثم جهزوا
المكتفي ودفنوه
بدار nindex.php?page=showalam&ids=16977محمد بن طاهر .
[ ص: 565 ] ولما بويع
المقتدر كان في بيت المال ، حين بويع ، خمسة عشر ألف ( ألف ) دينار ، فأطلق يد الوزير في بيت المال فأخرج منه حق البيعة .
وكان مولد المقتدر ثامن رمضان سنة اثنتين وثمانين ومائتين ، وأمه أم ولد يقال لها شغب ، فلما بويع استصغره الوزير ، وكان عمره إذ ذاك ثلاث عشرة سنة ، وكثر كلام الناس ( فيه ) ، فعزم على خلعه ، وتقليد الخلافة
أبا عبد الله محمد بن المعتمد على الله ، وكان حسن السيرة ، ( جميل الوجه ) والفعل ، فراسله في ذلك ، واستقر الحال ، وانتظر الوزير قدوم
بارس حاجب إسماعيل صاحب خراسان ، وكان قد أذن له في القدوم ، كما ذكرناه ، وأراد الوزير [ أن ] يستعين به على ذلك ، ويتقوى به على غلمان
المعتضد ، فتأخر
بارس .
واتفق أنه وقع بين
أبي عبد الله بن المعتمد وبين
ابن عمرويه ، صاحب الشرطة ، ( منازعة ) في ضيعة مشتركة بينهما ، فأغلظ
ابن عمرويه ، فغضب
ابن المعتمد غضبا شديدا ، وأغمي عليه ، وفلج في المجلس ، فحمل إلى ثيته في محفة ، فمات في اليوم الثاني ، فأراد الوزير البيعة
لأبي الحسين بن المتوكل ، فمات أيضا بعد
[ ص: 566 ] خمسة أيام ، وتم أمر
المقتدر .