[ ص: 569 ] 296
ثم دخلت سنة ست وتسعين ومائتين
ذكر
خلع المقتدر وولاية ابن المعتز
وفي هذه السنة اجتمع القواد ، والقضاة ، والكتاب ، مع الوزير
العباس بن الحسن ، على خلع
المقتدر ، والبيعة
لابن المعتز ، ( وأرسلوا إلى
ابن المعتز ) في ذلك ، فأجابهم على أن لا يكون فيه سفك دم ، ولا حرب ، فأخبروه باجتماعهم عليه ، وأنهم ليس لهم منازع ولا محارب .
وكان الرأس في ذلك
العباس بن الحسن ،
ومحمد بن داود بن الجراح ،
وأبو المثنى أحمد بن يعقوب القاضي ، ومن القواد
الحسين بن حمدان ،
وبدر الأعجمي ،
ووصيف بن صوارتكين .
ثم إن الوزير رأى أمره صالحا مع
المقتدر ، وأنه على ما يحب ، فبدا له في ذلك ، فوثب به الآخرون فقتلوه ، وكان الذي تولى قتله منهم
الحسين بن حمدان ،
وبدر الأعجمي ،
ووصيف ، ولحقوه ، وهو سائر إلى بستان له ، فقتلوه في طريقه ، وقتلوا معه
فاتكا المعتضدي ، وذلك في العشرين من ربيع الأول ، وخلع
المقتدر من الغد ، وبايع الناس
لابن المعتز .
وركض
الحسين بن حمدان إلى الحلبة ظنا منه أن
المقتدر يلعب هناك بالكرة ، فيقتله ، فلم يصادفه ، لأنه كان هناك ، فبلغه قتل الوزير وفاتك ، فركض دابته فدخل الدار ، وغلقت الأبواب ، فندم
الحسين حيث لم يبدأ
بالمقتدر .
[ ص: 570 ] وأحضروا
ابن المعتز وبايعوه بالخلافة ، وكان الذي يتولى أخذ البيعة له
محمد بن سعيد الأزرق ، وحضر الناس ، والقواد ، وأصحاب الدواوين ، سوى
أبي الحسن بن الفرات ، وخواص
المقتدر ، فإنهم لم يحضروا .
ولقب
ابن المعتز المرتضي بالله ، واستوزر
محمد بن داود الجراح ، وقلد
علي بن عيسى الدواوين ، وكتبت الكتب إلى البلاد من أمير المؤمنين
المرتضي بالله أبي العباس عبد الله بن المعتز بالله ، ووجه إلى
المقتدر يأمره بالانتقال إلى
دار ابن طاهر التي كان مقيما فيها ، لينتقل هو إلى دار الخلافة ، فأجابه بالسمع والطاعة ، وسأل الإمهال إلى الليل .
وعاد
الحسين بن حمدان بكرة غد إلى دار الخلافة ، فقاتله الخدم والغلمان والرجالة من وراء الستور عامة النهار ، فانصرف عنهم آخر النهار ، فلما جنه الليل سار عن
بغداذ بأهله وماله وكل ما له إلى
الموصل ، لا يدري لم فعل ذلك ، ولم يكن بقي مع
المقتدر من القواد غير
nindex.php?page=showalam&ids=16864مؤنس الخادم ،
ومؤنس الخازن ،
وغريب الخال وحاشية الدار .
فلما هم
المقتدر بالانتقال عن الدار قال بعضهم لبعض : لا نسلم الخلافة من غير أن نبلي عذرا ، ونجتهد في دفع ما أصابنا ، فأجمع رأيهم على أن يصعدوا في الماء إلى الدار التي فيها
ابن المعتز بالحرم يقاتلونه ، فأخرج لهم
المقتدر السلاح والزرديات وغير ذلك ، وركبوا السميريات ، وأصعدوا في الماء ، فلما رآهم من عند
ابن المعتز هالهم كثرتهم ، واضطربوا وهربوا على وجوههم من قبل أن يصلوا إليهم ، وقال بعضهم لبعض : إن
الحسن بن حمدان عرف ما يريد أن يجري فهرب من الليل ، وهذه مواطأة بينه وبين
المقتدر ، وهذا كان سبب هربه .
[ ص: 571 ] ولما رأى
ابن المعتز ذلك ركب ومعه وزيره
nindex.php?page=showalam&ids=16954محمد بن داود وهربا ، وغلام له ينادي بين يديه : يا معشر العامة ، ادعوا لخليفتكم السني البربهاري ، وإنما نسبت هذه النسبة لأن
الحسين بن القاسم بن عبيد الله البربهاري كان مقدم الحنابلة والسنة من العامة ، ولهم فيها اعتقاد عظيم ، فأراد استمالتهم بهذا القول .
ثم إن
ابن المعتز ومن معه ساروا نحو الصحراء ، ظنا منهم أن من بايعه من الجند يتبعونه ، فلم يلحقه منهم أحد ، فكانوا عزموا أن يسيروا إلى
سر من رأى بمن يتبعهم من الجند ، فيشتد سلطانهم ، فلما رأوا أنهم لم يأتهم أحد رجعوا عن ذلك الرأي ، واختفى
nindex.php?page=showalam&ids=16954محمد بن داود ( في داره ) ونزل
ابن المعتز عن ( دابته ) ومعه غلامه
يمن ، وانحدر إلى دار
أبي عبد الله بن الجصاص ، فاستجار به ، واستتر أكثر من بايع
ابن المعتز ، ووقعت الفتنة والنهب والقتل
ببغداذ ، وثار العيارون والسفل ينهبون الدور .
وكان
ابن عمرويه ، صاحب الشرطة ، ممن بايع
ابن المعتز ، فلما هرب جمع
ابن عمرويه أصحابه ، ونادى بشعار
المقتدر ، يدلس بذلك فناداه العامة : يا مرائي ، يا كذاب ! وقاتلوه ، فهرب واستتر ، وتفرق أصحابه ، فهجاه
يحيى بن علي بأبيات منها :
بايعوه فلم يكن عند الأن وك إلا التغيير والتخبيط
[ ص: 572 ] رافضيون بايعوا أنصب الأ
مة هذا لعمري التخليط ثم ولى من زعقة ومحامو
ه ومن خلفهم لهم تضريط
وقلد
المقتدر ، تلك الساعة ، الشرطة
nindex.php?page=showalam&ids=16864مؤنسا الخازن ، وهو غير
nindex.php?page=showalam&ids=16864مؤنس الخادم ، وخرج بالعسكر ، وقبض على
وصيف بن صوارتكين وغيره ، فقتلهم ، وقبض على القاضي
أبي عمر ،
وعلي بن عيسى ،
والقاضي محمد بن خلف وكيع ، ثم أطلقهم ، وقبض على
القاضي المثنى أحمد بن يعقوب ، فقتله لأنه قيل له : بايع
المقتدر ، فقال : لا أبايع صبيا ، فذبح .
وأرسل
المقتدر إلى
أبي الحسن بن الفرات ، وكان مختفيا ، فأحضره ، واستوزره ، وخلع عليه .
وكان في هذه الحادثة عجائب منها : أن الناس كلهم أجمعوا على خلع
المقتدر والبيعة
لابن المعتز ، فلم يتم ذلك ، بل كان على العكس من إرادتهم ، وكان أمر الله مفعولا .
ومنها أن
ابن حمدان ، على شدة تشيعه وميله إلى
علي ، عليه السلام ، وأهل بيته ، يسعى في البيعة
لابن المعتز على انحرافه عن
علي وغلوه في النصب إلى غير ذلك .
ثم إن خادما لابن الجصاص ، يعرف
بسوسن ، أخبر
صافيا الحرمي بأن
ابن المعتز عند مولاه ، ومعه جماعة ، فكبست دار ابن الجصاص ، وأخذ
ابن المعتز منها ، وحبس إلى الليل ، وعصرت خصيتاه حتى مات ، ولف في كساء ، وسلم إلى أهله .
وصودر
ابن الجصاص على مال كثير ، وأخذ
nindex.php?page=showalam&ids=16954محمد بن داود وزير
ابن المعتز ، وكان
[ ص: 573 ] مستترا ، فقتل ، ونفي
علي بن عيسى إلى
واسط ، فأرسل إلى الوزير
ابن الفرات يطلب منه أن يأذن له في المسير إلى
مكة ، فأذن له في ذلك فسار إليها على طريق
البصرة وأقام بها .
وصودر
القاضي أبو عمر على مائة ألف دينار ، وسيرت العساكر من
بغداذ في طلب
الحسين بن حمدان فتبعوه إلى
الموصل ، ثم إلى
بلد فلم يظفروا به فعادوا إلى
بغداذ ( فكتب الوزير إلى أخيه
أبي الهيجاء بن حمدان ، وهو الأمير على
الموصل ، يأمره بطلبه ، فسار إليه إلى
بلد ، ففارقها
الحسين إلى
سنجار وأخوه في أثره ، فدخل البرية فتبعه أخوه عشرة أيام ، فأدركه فاقتتلوا فظفر
أبو الهيجاء ، وأسر بعض أصحابه ، وأخذ منه عشرة آلاف دينار ، وعاد عنه إلى
الموصل ، ثم انحدر إلى
بغداذ ، فلما كان فوق
تكريت أدركه أخوه
الحسين ، فبيته ، فقتل منهم قتلى ، وانحدر
أبو الهيجاء إلى
بغداذ .
وأرسل
الحسين إلى
ابن الفرات ، وزير
المقتدر ، يسأله الرضى عنه ، فشفع فيه إلى
المقتدر بالله ليرضى عنه ، وعن )
إبراهيم بن كيغلغ ،
وابن عمرويه صاحب الشرطة وغيرهم ، ( فرضي عنهم ، ودخل
الحسين بغداذ ، فرد عليه أخوه ما أخذ منه ، وأقام
الحسين ببغداذ إلى أن ولي قم فسار إليها ) ، وأخذ الجرائد التي فيها أسماء من أعان على
المقتدر ، فغرقها في
دجلة .
وبسط
ابن الفرات العدل والإحسان وأخرج الإدرارات
للعباسيين والطالبيين ، وأرضى القواد بالأموال ، ففرق معظم ما كان في بيوت الأموال .