ذكر
أمر أحمد بن سهل
في هذه السنة ظفر الأمير
نصر بن أحمد صاحب
خراسان ( وما وراء النهر )
بأحمد بن سهل ، ونحن نذكر حاله من أوله .
كان
أحمد بن سهل هذا من كبار قواد الأمير
nindex.php?page=showalam&ids=12436إسماعيل بن أحمد ، وولده
nindex.php?page=showalam&ids=12070أحمد بن إسماعيل ، وولده
نصر بن أحمد ، وقد تقدم من ذكر تقدمه على الجيوش في الحروب ما يدل على علو منزلته .
وهو
أحمد بن سهل بن هاشم بن الوليد ( بن جبلة ) بن كامكار بن يزدجرد بن شهريار الملك ، وكان
كامكار دهقانا بنواحي
مرو ، وإليه ينسب الورد الكامكاري ، وهو الشديد الحمرة ، وهو الذي يسمى
بالري القصراني ،
وبالعراق والجزيرة والشام الجوري ، ينسب إلى
قصران ، وهي قرية
بالري ، وإلى مدينة
جور ، وهي من مدن
فارس .
[ ص: 664 ] وكان
لأحمد إخوة يقال لهم
محمد ،
والفضل ،
والحسين ، قتلوا في عصبية العرب والعجم
بمرو ، وكان
أحمد خليفة
عمرو بن الليث على
مرو ، فقبض عليه
عمرو ، ونقله إلى
سجستان ، فحبسه بها ، فرأى وهو في السجن كأن
يوسف النبي ، عليه السلام ، على باب السجن ، فقال له : ادع الله أن يخلصني ويوليني ! فقال له : قد أذن الله في خلاصك ، لكنك لا تلي عملا برأسك .
ثم إن
أحمد طلب الحمام فأدخل إليه ، فأخذ النورة فطلى بها رأسه ولحيته فسقط شعره ، وخرج من الحمام ولم يعرفه أحد ، فاختفى ، فطلبه
عمرو فلم يظفر به ، ثم خرج من
سجستان نحو
مرو ، فقبض على خليفة
عمرو واستولى عليها ، واستأمن إلى
nindex.php?page=showalam&ids=12436إسماعيل بن أحمد ببخارى ، فأكرمه ، وقدمه ، ورفع قدره ، وكان عاقلا كتوما لأسراره .
فلما عصى
الحسين بن علي سير إليه
أحمد ، فظفر به على ما ذكرناه ، وضمن له الأمير
نصر أشياء لم يف له بها ، فاستوحش من ذلك ، فأتاه يوما بعض أصحاب
أبي جعفر صعلوك ، فحادثه ، فأنشده
أحمد بن سهل ، وقد ذكر حاله ، وأنهم لم يفوا له بما وعدوه :
ستقطع في الدنيا إذا ما قطعتني يمينك ، فانظر أي كفيك تبدل وفي الناس إن رثت حبالك واصل
وفي الأرض عن دار العلى متحول إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته
على طرف الهجران إن كان يعقل وتركب حد السيف من أن تضيمه
إذا لم يكن عن شفرة السيف مرحل إذا انصرفت نفسي عن الشيء لم تكد
- إليه بوجه ، آخر الدهر ، تقبل
قال : فعلمت أنه قد أضمر المخالفة ، فلم تمض إلا أيام حتى خالفه
بنيسابور [ ص: 665 ] ( واستولى عليها ) وأسقط خطبة
السعيد نصر بن أحمد ، وأنفذ رسولا إلى
بغداذ يخطب له أعمال
خراسان .
وسار من
نيسابور إلى
جرجان وبها قراتكين ، فحاربه ، واستولى عليها ، ( وأخرج قرائكين عنها ، ثم عاد إلى
خراسان ، وقصد
مرو فاستولى عليها ) ، وبنى عليها سورا وتحصن بها ، فأرسل إليه
السعيد نصر الجيوش مع
حمويه بن علي من
بخارى ، فوافى
مرو الروذ ، فأقام بنواحيها ليخرج إليه
أحمد بن سهل منها ، فلم يفعل .
ودخل بعض أصحاب
أحمد عليه يوما ، وهو يفكر بعد نزول
حمويه عليه ، فقال لصاحبه : لا شك أن الأمير مشغول القلب لهذا الخطب ، فما هو رأي الأمير ؟ فقال : ليس بي ما تظن ، ولكن ذكرت رؤيا رأيتها في حبس
سجستان ، وذكر قول
يوسف الصديق ، عليه السلام : إنك لا تلي عملا برأسك . قال : فقلت له : إن القوم يغتنمون سلمك ، ويعطونك ما تريد ، فإن رأيت أن يتوسط الحال فعلنا ، فأنشد :
سأغسل عني العار بالسيف جالبا علي قضاء الله ما كان جالبا
ولما رأى
حمويه أنه لا يخرج إليه من
مرو عمل الحيلة في ذلك ، فجعل يقول : قد أدخلت
ابن سهل في جحر فأر ، وسددت عليه وجوه الفرار ، وأشباه هذا الكلام ليغضب
أحمد فيخرج ، فلم يفعل ذلك ، فحينئذ أمر
حمويه جماعة من ثقات قواده ، فكاتبوا
أحمد بن سهل سرا ، وأظهروا له الميل ، ودعوه إلى الخروج من
مرو ليسلموا إليه
حمويه ، فأجابهم إلى ذلك ، لما في نفسه من الغيظ على
حمويه ، فخرج عن
مرو نحو
حمويه ، فالتقوا على مرحلة من
مرو الروذ في رجب سنة سبع وثلاثمائة ، فانهزم أصحاب
أحمد ، وحارب هو إلى أن عجزت دابته ، فنزل عنها واستأمن ، فأخذوه أسيرا ، وأنفذوه إلى
بخارى ، فمات بها في الحبس في ذي الحجة من سنة سبع وثلاثمائة .
وكان الأمير
أحمد بن إسماعيل بن أحمد يقول : لا ينبغي
لأحمد بن سهل أن يغيب
[ ص: 666 ] عن باب السلطان ، فإنه إن غاب عنه أثار شغلا عظيما ، كأنه يتوسم فيه ما فعل ، فهكذا ينبغي أن تكون فراسة الملك .