[ ص: 772 ] ذكر
خلافة القاهر بالله
لما قتل
المقتدر بالله عظم قتله على
مؤنس ، وقال : الرأي أن ننصب ولده
أبا العباس ( أحمد ) في الخلافة ، فإنه تربيتي ، وهو صبي عاقل ، وفيه دين وكرم ، ( ووفاء بما يقول ) ، فإذا جلس في الخلافة سمحت نفس جدته ، والدة
المقتدر وإخوته ، وغلمان أبيه ببذل الأموال ، ولم ينتطح في قتل
المقتدر عنزان ، فاعترض عليه
أبو يعقوب إسحاق بن إسماعيل النوبختي ، وقال : بعد الكد والتعب استرحنا من خليفة له أم ، وخالة ، وخدم يدبرونه فنعود إلى تلك الحال ! والله لا نرضى إلا برجل كامل ، يدبر نفسه ، ويدبرنا وما زال حتى رد
مؤنسا عن رأيه ، وذكر له
أبو منصور محمد بن المعتضد فأجابه
مؤنس إلى ذلك ، وكان
النوبختي في ذلك كالباحث عن حتفه بظلفه فإن القاهر قتله ، كما نذكره وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم .
وأمر
مؤنس بإحضار
محمد بن المعتضد ، فبايعوه بالخلافة لليلتين بقيتا من شوال ، ولقبوه
القاهر بالله ، وكان
مؤنس كارها لخلافته ، ( والبيعة له ) ، ويقول : إنني عارف بشره ، وسوء نيته ، ولكن لا حيلة .
ولما بويع استحلفه
مؤنس لنفسه ولحاجبه
بليق ،
ولعلي بن بليق وأخذوا
[ ص: 773 ] خطه بذلك واستقرت الخلافة له ، ( وبايعه الناس ) ، واستوزر
أبا علي بن مقلة ، وكان
بفارس ، فاستقدمه ، ووزر له ، واستحجب
القاهر علي بن بليق ، وتشاغل
القاهر بالبحث عمن استتر من أولاد
المقتدر وحرمه ، وبمناظرة والدة
المقتدر ، وكانت مريضة قد ابتدأ بها الاستسقاء ، وقد زاد مرضها بقتل ابنها ، ولما سمعت أنه بقي مكشوف العورة جزعت جزعا شديدا ، وامتنعت عن المأكول والمشروب حتى كادت تهلك ، فوعظها النساء حتى أكلت شيئا يسيرا من الخبز والملح .
ثم أحضرها
القاهر عنده ، وسألها عن مالها ، فاعترفت له بما عندها من المصوغ والثياب ، ولم تعترف بشيء من المال والجوهر ، فضربها أشد ما يكون من الضرب ، وعلقها برجلها ، وضرب المواضع الغامضة من بدنها ، فحلفت أنها لا تملك غير ما أطلعته عليه ، وقالت : لو كان عندي مال لما أسلمت ولدي للقتل ، ولم تعترف بشيء .
وصادر جميع حاشية
المقتدر وأصحابه ، وأخرج
القاهر والدة
المقتدر لتشهد على نفسها القضاة والعدول بأنها قد حلت أوقافها ، ووكلت في بيعها ، فامتنعت عن ذلك ، وقالت : قد أوقفتها على أبواب البر والقرب
بمكة والمدينة والثغور ، وعلى الضعفى والمساكين ، ولا أستحل حلها ولا بيعها وإنما أوكل على بيع أملاكي .
فلما علم
القاهر بذلك أحضر القاضي والعدول ، وأشهدهم على نفسه أنه قد حل وقوفها جميعها ، ووكل في بيعها ، فبيع ذلك جميعه مع غيره ، واشتراه الجند من أرزاقهم ، وتقدم
القاهر بكبس الدور التي سعي إليه أنه اختفى فيها ولد
المقتدر ، فلم يزل كذلك إلى أن وجدوا منهم
أبا العباس الراضي ،
وهارون ،
وعليا ،
والعباس ،
وإبراهيم ،
والفضل ، فحملوا إلى دار الخليفة فصودروا على مال كثير ، وسلمهم
علي بن بليق إلى كاتبه
الحسن بن هارون فأحسن صحبتهم .
[ ص: 774 ] واستقر
أبو علي بن مقلة في الوزارة ، ( وعزل وولى ) ، وقبض على ( جماعة من العمال ، وقبض على )
بني البريدي ، وعزلهم عن أعمالهم وصادرهم .