[ ص: 26 ] ذكر
قتل الشلمغاني وحكاية مذهبه
وفي هذه السنة قتل
nindex.php?page=showalam&ids=12471أبو جعفر محمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقر ، (
وشلمغان التي ينسب إليها قرية بنواحي
واسط ) .
وسبب ذلك أنه قد أحدث مذهبا غاليا في التشيع والتناسخ ، وحلول الإلهية فيه ، إلى غير ذلك مما يحكيه ، وأظهر ذلك من فعله
أبو القاسم الحسين بن روح ، الذي تسميه الإمامية الباب ، متداول وزارة
nindex.php?page=showalam&ids=15676حامد بن العباس ، ثم اتصل
أبو جعفر الشلمغاني بالمحسن بن أبي الحسن بن الفرات في وزارة أبيه الثالثة ، ثم إنه طلب في وزارة
الخاقاني ، فاستتر وهرب إلى
الموصل ، فبقي سنين عند
nindex.php?page=showalam&ids=17190ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان في حياة أبيه
عبد الله بن حمدان ، ثم انحدر إلى
بغداذ واستتر ، وظهر عنه
ببغداذ أنه يدعي لنفسه الربوبية ، وقيل إنه اتبعه على ذلك
الحسين بن القاسم بن عبد الله بن سليمان بن وهب الذي وزر
للمقتدر بالله ،
وأبو جعفر ،
وأبو علي ابنا
بسطام ،
وإبراهيم بن محمد بن أبي عون ،
وابن شبيب الزيات ،
وأحمد بن محمد بن عبدوس ، كانوا يعتقدون ذلك فيه ، وظهر ذلك عنهم ، وطلبوا أيام
وزارة ابن مقلة للمقتدر بالله ، فلم يجدوا .
[ ص: 27 ] فلما كان في شوال سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة ، ظهر
الشلمغاني ، فقبض عليه الوزير
ابن مقلة وسجنه ، وكبس داره فوجد فيها رقاعا وكتبا ممن يدعي عليه أنه على مذهبه ، يخاطبونه بما لا يخاطب به البشر بعضهم بعضا ، وفيها خط
الحسين بن القاسم ، فعرضت الخطوط فعرفها الناس ، وعرضت على
الشلمغاني فأقر أنها خطوطهم ، وأنكر مذهبه ، وأظهر الإسلام ، وتبرأ مما يقال فيه ، وأخذ
ابن أبي عون ،
وابن عبدوس معه ، وأحضرا معه عند الخليفة ، وأمرا بصفعه فامتنعا ، فلما أكرها مد
ابن عبدوس يده وصفعه ، وأما
ابن أبي عون فإنه مد يده إلى لحيته ورأسه ، فارتعدت يده ، فقبل لحية
الشلمغاني ورأسه ، ثم قال : إلهي ، وسيدي ، ورازقي ، فقال له
الراضي : قد زعمت أنك لا تدعي الإلهية ، فما هذا ؟ فقال : وما علي من قول
ابن أبي عون ، والله يعلم أنني ما قلت له إنني إله قط .
فقال
ابن عبدوس : إنه لم يدع الإلهية ، وإنما ادعى أنه الباب إلى الإمام المنتظر ، مكان
ابن روح ، وكنت أظن أنه يقول ذلك تقية .
ثم أحضروا عدة مرات ، ومعهم الفقهاء ، والقضاة ، والكتاب ، والقواد ، وفي آخر الأيام أفتى الفقهاء بإباحة دمه ، فصلب
ابن الشلمغاني ،
وابن أبي عون ، في ذي القعدة فأحرقا بالنار .
وكان من مذهبه أنه إله الآلهة الحق ، وأنه الأول القديم ، الظاهر ، الباطن ، الرازق ، التام ، المومأ إليه بكل معنى ، وكان يقول : إن الله - سبحانه وتعالى - يحل في كل شيء على قدر ما يحتمل ، وإنه خلق الضد ليدل على المضدود ، فمن ذلك أنه حل في
آدم لما خلقه ، وفي إبليسه أيضا ، وكلاهما ضد لصاحبه لمضادته إياه في معناه ، وإن الدليل على الحق أفضل من الحق ، وإن الضد أقرب إلى الشيء من شبهه ، وإن الله - عز وجل - إذا حل في جسد ناسوتي ، ظهر من القدرة والمعجزة ما يدل على أنه هو ، وإنه لما غاب
آدم ، ظهر اللاهوت في خمسة ناسوتية ، كلما غاب منهم واحد ، ظهر مكانه
[ ص: 28 ] آخر ، وفي خمسة أبالسة أضداد لتلك الخمسة ، ثم اجتمعت اللاهوتية في
إدريس وإبليسه ، وتفرقت بعدهما كما تفرقت بعد
آدم ، واجتمعت في
نوح - عليه السلام - وإبليسه ، وتفرقت عند غيبتهما ، واجتمعت في
هود وإبليسه ، وتفرقت بعدهما ، واجتمعت في
صالح - عليه السلام - وإبليسه عاقر الناقة ، وتفرقت بعدهما ، واجتمعت في
إبراهيم - عليه السلام - وإبليسه
نمروذ ، وتفرقت لما غابا ، واجتمعت في
هارون وإبليسه فرعون ، وتفرقت بعدهما ، واجتمعت ( في
سليمان وإبليسه ، وتفرقت بعدهما ، واجتمعت ) في
عيسى وإبليسه ، فلما غابا تفرقت في تلاميذ
عيسى وأبالستهم ، ثم اجتمعت في
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب وإبليسه .
ثم إن الله يظهر في كل شيء ، وكل معنى ، وإنه في كل أحد بالخاطر الذي يخطر بقلبه ، فيتصور له ما يغيب عنه ، حتى كأنه يشاهده ، وإن الله اسم لمعنى ، وإن من احتاج الناس إليه فهو إله ، ولهذا المعنى يستوجب كل أحد أن يسمى إلها ، وإن كل أحد من أشياعه يقول : إنه رب لمن هو في دون درجته ، وإن الرجل منهم يقول : أنا رب لفلان ، وفلان رب ( لفلان وفلان رب ) ربي ، حتى يقع الانتهاء إلى
nindex.php?page=showalam&ids=12471ابن أبي العزاقر ، فيقول : أنا رب الأرباب ، لا ربوبية بعده .
ولا ينسبون
الحسن والحسين - رضي الله عنهما - إلى
علي - كرم الله وجهه ; لأن من اجتمعت له الربوبية لا يكون له ولد ولا والد ، وكانوا يسمون
موسى ومحمدا - صلى الله عليه وسلم - الخائنين ; لأنهم يدعون أن
هارون أرسل
موسى ،
وعليا أرسل
محمدا ، فخاناهما ، ويزعمون أن
عليا أمهل
محمدا عدة سني أصحاب الكهف ، فإذا انقضت هذه العدة وهي ثلاثمائة وخمسون سنة ، انتقلت الشريعة ، ويقولون : إن الملائكة كل من ملك
[ ص: 29 ] نفسه وعرف الحق ، وإن الجنة معرفتهم وانتحال مذهبهم ، والنار الجهل بهم والعدول عن مذهبهم . ويعتقدون ترك الصلاة والصيام وغيرهما من العبادات ، ولا يتناكحون بعقد ، ويبيحون الفروج ، ويقولون : إن
محمدا - صلى الله عليه وسلم - بعث إلى كبراء
قريش وجبابرة العرب ، ونفوسهم أبية ، فأمرهم بالسجود ، وإن الحكمة الآن أن يمتحن الناس بإباحة فروج نسائهم ، وإنه يجوز أن يجامع الإنسان من شاء من ذوي رحمه ، وحرم صديقه وابنه ، بعد أن يكون على مذهبه ، وإنه لا بد للفاضل منهم أن ينكح المفضول ليولج النور فيه ، ومن امتنع من ذلك قلب في الدور الذي يأتي بعد هذا العالم امرأة ، إذ كان مذهبهم التناسخ ، وكانوا يعتقدون إهلاك
الطالبيين والعباسيين ، تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا .
وما أشبه هذه المقالة بمقالة النصيرية ، ولعلها هي هي ، فإن النصيرية يعتقدون في
ابن الفرات ، ويجعلونه رأسا في مذهبهم .
وكان
الحسين بن القاسم بالرقة ، فأرسل
الراضي بالله إليه ، فقتل آخر ذي القعدة ، وحمل رأسه إلى
بغداذ .