ذكر
مسير المرزبان إليهم ، والظفر بهم
لما فعل
الروس بأهل
بردعة ما ذكرناه ، استعظمه المسلمون ، وتنادوا بالنفير ، وجمع
المرزبان بن محمد الناس واستنفرهم ، فبلغ عدة من معه ثلاثين ألفا ، وسار بهم فلم يقاوم الروسية ، وكان يغاديهم القتال ويراوحهم ، فلا يعود إلا مفلولا ، فبقوا كذلك أياما كثيرة ، وكان الروسية قد توجهوا نحو مراغة ، فأكثروا من أكل الفواكه ، فأصابهم الوباء ، وكثرت الأمراض والموت فيهم .
ولما طال الأمر على
المرزبان ، أعمل الحيلة ، فرأى أن يكمن كمينا ، ثم يلقاهم في عسكره ، ويتطارد لهم ، فإذا خرج الكمين عاد عليهم ، فتقدم إلى أصحابه بذلك ، ورتب الكمين ثم لقيهم ، ( واقتتلوا ، فتطارد لهم
المرزبان وأصحابه ، وتبعهم الروسية ) حتى جازوا موضع الكمين ، فاستمر الناس على هزيمتهم لا يلوي أحد على أحد .
فحكى
المرزبان ، قال : صحت بالناس ليرجعوا ، فلم يفعلوا لما تقدم في قلوبهم من هيبة الروسية ، فعلمت أنه إن استمر الناس على الهزيمة ، قتل
الروس أكثرهم ، ثم عادوا إلى الكمين ( ففطنوا بهم ) ، فقتلوهم عن آخرهم .
[ ص: 130 ] قال : فرجعت وحدي ، وتبعني أخي وصاحبي ، ووطنت نفسي على الشهادة ، فحينئذ عاد أكثر
الديلم استحياء فرجعوا وقاتلناهم ، ونادينا بالكمين بالعلامة بيننا ، فخرجوا من ورائهم ، وصدقناهم القتال ، فقتلنا منهم خلقا كثيرا منهم أميرهم ، والتجأ الباقون إلى حصن البلد ، ويسمى شهرستان ، وكانوا قد نقلوا إليه ميرة كثيرة ، وجعلوا معهم السبي والأموال ، فحاصرهم
المرزبان وصابرهم ، فأتاه الخبر بأن
أبا عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان قد سار إلى
أذربيجان ، ( وأنه واصل إلى
سلماس ، وكان ابن عمه
ناصر الدولة قد سيره ليستولي على
أذربيجان ) ، فلما بلغ الخبر إلى
المرزبان ، ترك على الروسية من يحاصرهم وسار إلى
ابن حمدان ، فاقتتلوا ، ثم نزل الثلج ، فتفرق أصحاب
ابن حمدان ; لأن أكثرهم أعراب ، ثم أتاه كتاب
ناصر الدولة يخبره بموت
توزون ، وأنه يريد الانحدار إلى
بغداذ ويأمره بالعود إليه ، فرجع .
وأما أصحاب
المرزبان فإنهم أقاموا يقاتلون الروسية ، ( وزاد الوباء على الروسية ) ( فكانوا إذا دفنوا الرجل ، دفنوا معه سلاحه ، فاستخرج المسلمون من ذلك شيئا ) كثيرا بعد انصراف الروس .
ثم إنهم خرجوا من الحصن ليلا وقد حملوا على ظهورهم ما أرادوا من الأموال وغيرها ، ومضوا إلى
الكر ، وركبوا في سفنهم ومضوا ، وعجز أصحاب
المرزبان عن اتباعهم وأخذ ما معهم ، فتركوهم وطهر الله البلاد منهم .