ذكر
مسير الخراسانيين إلى الري
في هذه السنة سار
منصور بن قراتكين من
نيسابور إلى
الري في صفر ، أمره الأمير
نوح بذلك ، وكان
ركن الدولة ببلاد
فارس على ما ذكرناه ، فوصل
منصور إلى
الري [ ص: 191 ] وبها
علي بن كامة خليفة
ركن الدولة ، فسار علي عنها إلى
أصبهان ، ودخل
منصور الري واستولى عليها ، وفرق العساكر في البلاد فملكوا
بلاد الجبل إلى
قرميسين ، وأزالوا عنها نواب
ركن الدولة ، ( واستولوا على
همذان وغيرها .
فبلغ الخبر إلى
ركن الدولة ) وهو
بفارس ، فكتب إلى أخيه
معز الدولة يأمره بإنفاذ عسكر بدفع تلك العساكر عن النواحي المجاورة
للعراق ، فسير
سبكتكين الحاجب في عسكر ضخم من
الأتراك ،
والديلم ،
والعرب ، فلما سار
سبكتكين عن
بغداذ ، خلف أثقاله ، وأسرى
جريدة إلى من
بقرميسين من
الخراسانيين ، فكبسهم وهم غارون ، فقتل فيهم ، وأسر مقدمهم من الحمام واسمه
بجكم الخمارتكيني ، فأنفذه مع الأسرى إلى
معز الدولة ، فحبسه مدة ثم أطلقه .
فلما بلغ
الخراسانية ذلك ، اجتمعوا إلى
همذان ، فسار
سبكتكين نحوهم ، ففارقوا
همذان ولم يحاربوه ، ودخل
سبكتكين همذان ، وأقام بها إلى أن ورد عليه
ركن الدولة ( في شوال .
وسار
منصور من
الري في العساكر نحو
همذان ، وبها
ركن الدولة ) ، فلما بقي بينهما مقدار عشرين فرسخا ، عدل
منصور إلى
أصبهان ، ولو قصد
همذان ، لانحاز
ركن الدولة عنه ، وكان ملك البلاد بسبب اختلاف كان في عسكر
ركن الدولة ، ولكنه عدل عنه لأمر يريده الله - تعالى ، وتقدم
ركن الدولة إلى
سبكتكين بالمسير في مقدمتهم ، فلما أراد المسير ، شغب عليه بعض
الأتراك مرة بعد أخرى ، فقال
ركن الدولة : هؤلاء أعداؤنا ومعنا ، والرأي أن نبدأ بهم ، فواقعهم واقتتلوا ، فانهزم
الأتراك .
وبلغ الخبر إلى
معز الدولة ، فكتب إلى
ابن أبي الشوك الكردي وغيره يأمرهم بطلبهم والإيقاع بهم ، فطلبوهم وأسروا منهم وقتلوا ، ومضى من سلم منهم إلى
الموصل ، وسار
ركن الدولة نحو
أصبهان ، ووصل
ابن قراتكين إلى
أصبهان ، فانتقل من
[ ص: 192 ] كان بها من أصحاب
ركن الدولة ، وأهله وأسبابه ، وركبوا الصعب والذلول ، حتى البقر والحمير ، وبلغ كراء الثور والحمار إلى
خان لنجان مائة درهم ، وهي على تسعة فراسخ من
أصبهان ، فلم يمكنهم مجاورة ذلك الموضع ، ولو سار إليهم
منصور لغنمهم وأخذ ما معهم ، وملك ما وراءهم ، إلا أنه دخل
أصبهان وأقام بها .
ووصل
ركن الدولة فنزل
بخان لنجان ، وجرت بينهما حروب عدة أيام ، وضاقت الميرة على الطائفتين ، وبلغ بهم الأمر إلى أن ذبحوا دوابهم ، ولو أمكن
ركن الدولة الانهزام لفعل ، ولكنه تعذر عليه ذلك ، واستشار وزيره
nindex.php?page=showalam&ids=12826أبا الفضل بن العميد في بعض الليالي في الهرب ، فقال له : لا ملجأ لك إلا الله - تعالى ، فانو للمسلمين خيرا ، وصمم العزم على حسن السيرة ، والإحسان إليهم ، فإن الحيل البشرية كلها تقطعت بنا ، وإن انهزمنا ، تبعونا وأهلكونا وهم أكثر منا ، فلا يفلت منا أحد ، ( فقال له : قد سبقتك إلى هذا ) .
فلما كان الثلث الأخير من الليل ، أتاهم الخبر أن
منصورا وعسكره قد عادوا إلى
الري وتركوا خيامهم ، وكان سبب ذلك أن الميرة والعلوفة ضاقت عليهم أيضا ، إلا أن
الديلم كانوا يصبرون ، ويقنعون بالقليل من الطعام ، وإذا ذبحوا دابة أو جملا ، اقتسمه الخلق الكثير منهم ، وكان
الخراسانية بالضد منهم لا يصبرون ولا يكفيهم القليل ، فشغبوا على
منصور واختلفوا ، وعادوا إلى
الري ، فكان عودهم في المحرم سنة أربعين [ وثلاثمائة ] ، فأتى الخبر
ركن الدولة فلم يصدقه حتى تواتر عنده ، فركب هو وعسكره ، واحتوى على ما خلفه
الخراسانية .
حكى
nindex.php?page=showalam&ids=12826أبو الفضل بن العميد ، قال : استدعاني
ركن الدولة تلك الليلة الثلث الأخير ، وقال لي : قد رأيت الساعة في منامي كأني على دابتي فيروز ، وقد انهزم عدونا ، وأنت تسير إلى جانب ، وقد جاءنا الفرج من حيث لا نحتسب ، فمددت عيني فرأيت على الأرض خاتما ، فأخذته فإذا فصه من فيروزج ، فجعلته في إصبعي ، وتبركت به ، وانتبهت وقد أيقنت بالظفر ، فإن الفيروزج معناه الظفر ، ولذلك لقب الدابة فيروز .
[ ص: 193 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=12826ابن العميد : فأتانا الخبر والبشارة بأن العدو قد رحل ، فما صدقنا حتى تواترت الأخبار ، فركبنا ولا نعرف سبب هربهم ، وسرنا حذرين من كمين ، وسرت إلى جانب
ركن الدولة وهو على فرسه فيروز ، فصاح
ركن الدولة بغلام بين يديه : ناولني ذلك الخاتم ، فأخذ خاتما من الأرض فناوله إياه ، فإذا هو فيروزج ، فجعله في إصبعه وقال : هذا تأويل رؤياي ، وهذا الخاتم الذي رأيت منذ ساعة . وهذا من أحسن ما يحكى وأعجبه .