ذكر
ملك خلف بن أحمد كرمان
في هذه السنة أنفذ
خلف بن أحمد ، صاحب
سجستان ، وهو ابن
بانوا بنت عمرو بن الليث الصفار ، ابنه
عمرا إلى
كرمان فملكها .
[ ص: 445 ] وكان سبب ذلك أنه كان لما قوي أمره ، وجمع الأموال الكثيرة ، حدث نفسه بملك
كرمان ، ولم يتهيأ له ذلك لهدنة كانت بينه وبين
عضد الدولة . فلما مات
عضد الدولة ، وملك
شرف الدولة استقر أمره وانتظم ، وأمن ملكه ، ولم يتحرك بشيء من ذلك . فلما توفي
شرف الدولة ، واضطرب ملوك
بني بويه ، ووقع الخلف بين
صمصام الدولة وبهاء الدولة ، قوي طمعه ، وانتهز الفرصة ، وجهز ولده
عمرا ، وسيره في عسكر كثير إلى
كرمان ، وبها قائد يقال له
تمرتاش كان قد استعمله
شرف الدولة ، فلم يشعر
تمرتاش إلا
وعمرو قد قاربه ، فلم يكن له ولمن معه حيلة إلا الدخول إلى
بردسير ، وحملوا ما أمكنهم حمله ، وغنم
عمرو الباقي ، وملك
كرمان ما عدا
بردسير ، وصادر الناس وجبى الأموال .
فلما وصل الخبر إلى
صمصام الدولة ، وهو صاحب
فارس ، جهز العساكر وسيرها إلى
تمرتاش ، وقدم عليهم قائدا يقال له
أبو جعفر ، وأمره بالقبض على
تمرتاش عند الاجتماع به ، لأنه اتهمه بالميل إلى أخيه
بهاء الدولة . فسار
أبو جعفر ، فلما اجتمع
بتمرتاش أنزله عنده بعلة الاجتماع على ما يفعلانه ، وقبض عليه وحمله إلى
شيراز ، فسار
أبو جعفر بالعسكر جميعه يقصد
عمرو بن خلف ليحاربه ، فالتقوا
بدارزين واقتتلوا ، فانهزم
أبو جعفر والديلم ، وعادوا على طريق
جيرفت .
وبلغ الخبر إلى
صمصام الدولة وأصحابه ، فانزعجوا لذلك ، ثم أجمعوا أمرهم على إنفاذ
العباس بن أحمد في عسكر أكثر من الأول ، فسيروه في عدد كثير وعدة ظاهرة ، فسار حتى بلغ
عمرا ، فالتقوا بقرب
السيرجان ، واقتتلوا فكانت الهزيمة على
عمرو بن خلف وأسر جماعة من قواده وأصحابه ، وكان هذا في المحرم سنة اثنتين وثمانين [ وثلاثمائة ] ، وعاد
عمرو إلى أبيه
بسجستان مهزوما ، فلما دخل عليه لامه ووبخه ، ثم حبسه أياما ، ثم قتله [ بين يديه ] وتولى غسله والصلاة عليه ، ودفنه في القلعة . فسبحان الله ما كان أقسى قلب هذا الرجل مع علمه ومعرفته ! .
[ ص: 446 ] ثم إن
صمصام الدولة عزل
العباس عن
كرمان واستعمل عليها أستاذ
هرمز ، فلما وصل إلى
كرمان خافه
خلف بن أحمد ، فكاتبه في تجديد الصلح ، واعتذر عن فعله ، فاستقر الصلح ، وأنفذ خلف قاضيا كان
بسجستان يعرف
بأبي يوسف وكان له قبول عند العامة والخاصة ، ووضع عليه إنسانا يكون معه وأمره أن يسقيه سما إذا صار عند أستاذ
هرمز ويعود مسرعا ويشيع بأن
أستاذ هرمز قتله .
فسار
أبو يوسف إلى
كرمان ، فصنع له
أستاذ هرمز طعاما ، فحضره وأكل منه ، فلما عاد إلى منزله سقاه ذلك الرجل سما فمات منه ، وركب جمازة وسار مجدا إلى خلف ، فجمع له خلف وجوه الناس ليسمعوا له ، فذكر أن
أستاذ هرمز قتل القاضي
أبا يوسف ، وبكى خلف وأظهر الجزع عليه ، ونادى في الناس بغزو
كرمان والأخذ بثأر
أبي يوسف ، فاجتمع الناس واحتشدوا ، فسيرهم مع ولده
طاهر ، فوصلوا إلى
نرماسير ، وبها عسكر
الديلم ، فهزموهم وأخذوا البلد منهم .
ولحق
الديلم بجيرفت ، فاجتمعوا بها ، وجعلوا
ببردسير من يحميها ، وهي أصل بلاد
كرمان ومصرها ، فقصدها طاهر وحصرها ثلاثة أشهر ، فضاق بأهلها ، وكتبوا إلى
أستاذ هرمز يعلمونه حالهم ، وأنه إن لم يدركهم سلموا البلد . فركب الخطر وسار مجدا في مضايق جبال وعرة ، حتى أتى
بردسير ، فلما وصل إليها رحل
طاهر ومن معه عنها ، وعادوا إلى
سجستان ، واستقرت
كرمان للديلم ، وكان ذلك سنة أربع وثمانين وثلاثمائة .