الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر خلافة القادر بالله

لما قبض على الطائع لله ذكر بهاء الدولة من يصلح للخلافة ، فاتفقوا على القادر بالله وهو أبو العباس أحمد بن إسحاق بن المقتدر بن المعتضد ، وأمه أم ولد اسمها دمنة ، وقيل تمنى ، وكان بالبطيحة ، كما ذكرناه ، فأرسل إليه بهاء الدولة خواص أصحابه ليحضروه إلى بغداذ ليتولى الخلافة ، فانحدروا إليه ، وشغب الديلم ببغداذ ، ومنعوا من الخطبة ، فقيل على المنبر : اللهم أصلح عبدك وخليفتك القادر بالله ، ولم يذكروا اسمه ، وأرضاهم بهاء الدولة .

[ ص: 444 ] ولما وصل الرسل إلى القادر بالله كان تلك الساعة يحكي مناما رآه تلك الليلة ، وهو ما حكاه هبة الله بن عيسى كاتب مهذب الدولة قال : كنت أحضر عند القادر بالله كل أسبوع مرتين ، فكان يكرمني ، فدخلت عليه يوما فوجدته قد تأهب تأهبا لم تجر به عادته ، ولم أر منه مما ألفته من إكرامه ، واختلفت بي الظنون فسألته عن سبب ذلك ، فإن كان لزلة مني اعتذرت عن نفسي . فقال : بل رأيت البارحة في منامي كأن نهركم هذا ، نهر الصليق ، قد اتسع ، فصار مثل دجلة ، دفعات ، فسرت على حافته متعجبا منه ، ورأيت قنطرة عظيمة ، فقلت : من قد حدث نفسه بعمل هذه القنطرة على هذا البحر العظيم ؟ ثم صعدتها ، وهي محكمة ، فبينما أنا عليها أتعجب منها إذ رأيت شخصا قد تأملني من ذلك الجانب ، فقال : أتريد أن تعبر ؟ قلت : نعم فمد يده حتى وصلت إلي ، فأخذني وعبرني ، فهالني وتعاظمني فعله ، قلت : من أنت ؟ قال : علي بن أبي طالب ، هذا الأمر صائر إليك ، ويطول عمرك فيه ، فأحسن إلى ولدي ، وشيعتي .

فما انتهى القادر إلى هذا القول حتى سمعنا صياح الملاحين وغيرهم ، وسألنا عن ذلك ، وإذا هم الواردون إليه لإصعاده ليتولى الخلافة ، فخاطبته بإمرة المؤمنين وبايعته ، وقام مهذب الدولة بخدمته أحسن قيام ، وحمل إليه من المال وغيره ما يحمله كبار الملوك للخلفاء وشيعه . فسار القادر بالله إلى بغداذ ، فلما دخل جبل انحدر بهاء الدولة وأعيان الناس لاستقباله ، وساروا في خدمته ، فدخل دار الخلافة ثاني عشر رمضان ، وبايعه بهاء الدولة والناس ، وخطب له ثالث عشر رمضان ، وجدد أمر الخلافة ، وعظم ناموسها ، وسيرد من أخباره ، إن شاء الله تعالى ، ما يعلم به ذلك ، وحمل إليه بعض ما نهب من دار الخلافة ، وكانت مدة مقامه في البطيحة سنتين وأحد عشر شهرا ، ( ولم يخطب له في جميع خراسان ، كانت الخطبة فيها للطائع لله ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية