ذكر
عصيان بكجور على سعد الدولة بن حمدان وقتله
لما وصل
بكجور إلى
الرقة منهزما من عساكر
مصر بدمشق وأقام ، على ما ذكرناه ، واستولى على
الرحبة وما يجاور
الرقة ، وراسل
nindex.php?page=showalam&ids=15575الملك بهاء الدولة بن بويه بالانضمام إليه ، وكاتب أيضا
باذا الكردي المتغلب على
ديار بكر والموصل بالمسير
[ ص: 447 ] إليه ، وراسل
سعد الدولة بن سيف الدولة بن حمدان ، صاحب
حلب ، بأن يعود إلى طاعته على قاعدته الأولى ، ( ويقطعه منه ) مدينة
حمص كما كانت له ، فليس فيهم من أجابه إلى شيء مما طلب ، فبقي في
الرقة يراسل جماعة رفقاء من مماليك
سعد الدولة ، ويستميلهم ، فأجابوه إلى الموافقة على قصد بلد
سعد الدولة ، وأخبروه أنه مشغول بلذاته وشهواته عن تدبير الملك فأرسل حينئذ
بكجور إلى
nindex.php?page=showalam&ids=14780العزيز بالله ، صاحب
مصر ، يطمعه في
حلب ، ويقول له إنها دهليز
العراق ، ومتى أخذت كان ما بعدها أسهل منها ، ويطلب الإنجاد بالعساكر . فأجابه
العزيز إلى ذلك وأرسل إلى
نزال ، والي
طرابلس ، وإلى ولاة غيرها من البلاد الشامية يأمرهم بتجهيز العساكر مع
نزال إلى
بكجور ، والتصرف على ما يأمرهم به من قتال
سعد الدولة وقصد بلاده .
وكتب
عيسى بن نسطورس النصراني ، وزير
العزيز ، إلى
نزال يأمره بمدافعة
بكجور ، وإطماعه في المسير إليه ، فإذا تورط في قصد
سعد الدولة تخلى عنه .
وكان السبب في فعل
عيسى هذا
ببكجور أنه كان بينه وبين
بكجور عداوة مستحكمة ، وولي الوزارة بعد وفاة
nindex.php?page=showalam&ids=13465ابن كلس ، فكتب إلى
نزال ما ذكرناه .
فلما وصل أمر
العزيز إلى
نزال بإنجاد
بكجور كتب إليه يعرفه ما أمر به من نجدته بنفسه وبالعساكر معه ، وقال له
بكجور : مسيرك عن
الرقة يوم كذا ، ومسيري أنا عن
طرابلس يوم كذا ، ويكون اجتماعنا على
حلب يوم كذا وتابع رسله إليه بذلك ، فسار مغترا بقوله إلى
بالس ، فامتنعت عليه ، فحصرها خمسة أيام فلم يظفر بها فسار عنها .
وبلغ الخبر بمسير
بكجور إلى
سعد الدولة ، فسار عن
حلب ومعه لؤلؤ الكبير ، مولى أبيه
سيف الدولة ، وكتب إلى
بكجور يستميله ويدعوه إلى الموادعة ، ورعاية حق الرق والعبودية ، ويبذل له أن يقطعه من
الرقة إلى
حمص ، فلم يقبل منه ذلك .
[ ص: 448 ] وكان
سعد الدولة قد كاتب الوالي
بأنطاكية لملك
الروم يستنجده ، فسير إليه جيشا كثيرا من
الروم ، وكاتب أيضا من مع
بكجور من العرب يرغبهم في الإقطاع ، والعطاء الكثير ، والعفو عن مساعدتهم
بكجور ، فمالوا إليه ، ووعدوه الهزيمة بين يديه ، فلما التقى العسكران اقتتلوا ، ( واشتد القتال ) ، فلما اختلط الناس في الحرب وشغل بعضهم ببعض عطف العرب على
سواد بكجور فنهبوه ، واستأمنوا إلى
سعد الدولة ، فلما رأى
بكجور ذلك اختار من شجعان أصحابه أربعمائة رجل ، وعزم على أن يقصد موقف
سعد الدولة ويلقي نفسه عليه ، فإما له وإما عليه ، فهرب واحد ممن حضر الحال إلى
لؤلؤ الكبير وعرفه ذلك ، فطلب
لؤلؤ من
سعد الدولة أن يتحرك من موقفه ويقف مكانه ، فأجابه إلى ذلك بعد امتناع . فحمل
بكجور ومن معه ، فوصلوا إلى موقف
لؤلؤ بعد قتال شديد عجب الناس منه واستعظموه كلهم ، فلما رأى
لؤلؤا ألقى نفسه عليه وهو يظنه
سعد الدولة ، فضربه على رأسه ، فسقط إلى الأرض ، فظهر حينئذ
سعد الدولة وعاد إلى موقفه ، ففرح به أصحابه وقويت نفوسهم ، وأحاطوا
ببكجور وصدقوه القتال فمضى منهزما هو وعامة أصحابه ، وتفرقوا ، وبقي منهم معه سبعة أنفس ، وكثر القتل والأسر في الباقين .
ولما طال الشوط
ببكجور ألقى سلاحه وسار ، فوقف فرسه ، فنزل عنه وسار راجلا ، فلحقه نفر من العرب ، فأخذوا ما عليه ، وقصد بعض العرب فنزل عليه وعرفه نفسه ، وضمن له حمل بعير ذهبا ليوصله إلى
الرقة ، فلم يصدقه لبخله المشهور عنه ، فتركه في بيته وتوجه إلى
سعد الدولة ( فعرفه أن
بكجور عنده ، فحكمه
سعد الدولة ) في مطالبه ، فطلب مائتي فدان ملكا ، ومائة ألف درهم ، ومائة جمل تحمل له حنطة ، وخمسين قطعة ثياب ، فأعطاه ذلك أجمع وزيادة وسير معه سرية ، فتسلموا
بكجور وأحضروه عند
سعد الدولة ، فلما رآه أمر بقتله ، فقتل ، ولقي عاقبة بغيه وكفره إحسان مولاه .
فلما قتله
سعد الدولة سار إلى
الرقة فنازلها ، وبها
سلامة الرشيقي ، ومعه أولاد
بكجور (
وأبو الحسن علي بن الحسن المغربي وزير
بكجور ، فسلموا البلد إليه بأمان
[ ص: 449 ] وعهود أكدوها وأخذوها عليه لأولاد
بكجور وأموالهم ، وللوزير المغربي ،
ولسلامة الرشيقي ، ولأموالهم ، فلما خرج أولاد
بكجور ) بأموالهم رأى
سعد الدولة ما معهم ، فاستعظمه واستكثره .
وكان عنده
القاضي ابن أبي الحصن ، فقال
سعد الدولة : ما كنت أظن أن
بكجور يملك هذا جميعه ، فقال له القاضي : لم لا تأخذه ؟ فهو لك لأنه مملوك ولا يملك شيئا ، ولا حرج عليك ولا حنث . فلما سمع هذا أخذ المال جميعه وقبض عليهم ، وهرب الوزير المغربي إلى مشهد أمير المؤمنين
علي ، عليه السلام ، وكتب أولاد
بكجور إلى
العزيز يسألونه الشفاعة فيهم ، فأرسل إليه يشفع فيهم ، ويأمره أن يسيرهم إلى
مصر ويتهدده إن لم يفعل . فأهان الرسول وقال له : قل لصاحبك أنا سائر إليك . وسير مقدمته إلى
حمص ليلحقهم .