الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر ملك خلف بن أحمد كرمان

في هذه السنة أنفذ خلف بن أحمد ، صاحب سجستان ، وهو ابن بانوا بنت عمرو بن الليث الصفار ، ابنه عمرا إلى كرمان فملكها .

[ ص: 445 ] وكان سبب ذلك أنه كان لما قوي أمره ، وجمع الأموال الكثيرة ، حدث نفسه بملك كرمان ، ولم يتهيأ له ذلك لهدنة كانت بينه وبين عضد الدولة . فلما مات عضد الدولة ، وملك شرف الدولة استقر أمره وانتظم ، وأمن ملكه ، ولم يتحرك بشيء من ذلك . فلما توفي شرف الدولة ، واضطرب ملوك بني بويه ، ووقع الخلف بين صمصام الدولة وبهاء الدولة ، قوي طمعه ، وانتهز الفرصة ، وجهز ولده عمرا ، وسيره في عسكر كثير إلى كرمان ، وبها قائد يقال له تمرتاش كان قد استعمله شرف الدولة ، فلم يشعر تمرتاش إلا وعمرو قد قاربه ، فلم يكن له ولمن معه حيلة إلا الدخول إلى بردسير ، وحملوا ما أمكنهم حمله ، وغنم عمرو الباقي ، وملك كرمان ما عدا بردسير ، وصادر الناس وجبى الأموال .

فلما وصل الخبر إلى صمصام الدولة ، وهو صاحب فارس ، جهز العساكر وسيرها إلى تمرتاش ، وقدم عليهم قائدا يقال له أبو جعفر ، وأمره بالقبض على تمرتاش عند الاجتماع به ، لأنه اتهمه بالميل إلى أخيه بهاء الدولة . فسار أبو جعفر ، فلما اجتمع بتمرتاش أنزله عنده بعلة الاجتماع على ما يفعلانه ، وقبض عليه وحمله إلى شيراز ، فسار أبو جعفر بالعسكر جميعه يقصد عمرو بن خلف ليحاربه ، فالتقوا بدارزين واقتتلوا ، فانهزم أبو جعفر والديلم ، وعادوا على طريق جيرفت .

وبلغ الخبر إلى صمصام الدولة وأصحابه ، فانزعجوا لذلك ، ثم أجمعوا أمرهم على إنفاذ العباس بن أحمد في عسكر أكثر من الأول ، فسيروه في عدد كثير وعدة ظاهرة ، فسار حتى بلغ عمرا ، فالتقوا بقرب السيرجان ، واقتتلوا فكانت الهزيمة على عمرو بن خلف وأسر جماعة من قواده وأصحابه ، وكان هذا في المحرم سنة اثنتين وثمانين [ وثلاثمائة ] ، وعاد عمرو إلى أبيه بسجستان مهزوما ، فلما دخل عليه لامه ووبخه ، ثم حبسه أياما ، ثم قتله [ بين يديه ] وتولى غسله والصلاة عليه ، ودفنه في القلعة . فسبحان الله ما كان أقسى قلب هذا الرجل مع علمه ومعرفته ! .

[ ص: 446 ] ثم إن صمصام الدولة عزل العباس عن كرمان واستعمل عليها أستاذ هرمز ، فلما وصل إلى كرمان خافه خلف بن أحمد ، فكاتبه في تجديد الصلح ، واعتذر عن فعله ، فاستقر الصلح ، وأنفذ خلف قاضيا كان بسجستان يعرف بأبي يوسف وكان له قبول عند العامة والخاصة ، ووضع عليه إنسانا يكون معه وأمره أن يسقيه سما إذا صار عند أستاذ هرمز ويعود مسرعا ويشيع بأن أستاذ هرمز قتله .

فسار أبو يوسف إلى كرمان ، فصنع له أستاذ هرمز طعاما ، فحضره وأكل منه ، فلما عاد إلى منزله سقاه ذلك الرجل سما فمات منه ، وركب جمازة وسار مجدا إلى خلف ، فجمع له خلف وجوه الناس ليسمعوا له ، فذكر أن أستاذ هرمز قتل القاضي أبا يوسف ، وبكى خلف وأظهر الجزع عليه ، ونادى في الناس بغزو كرمان والأخذ بثأر أبي يوسف ، فاجتمع الناس واحتشدوا ، فسيرهم مع ولده طاهر ، فوصلوا إلى نرماسير ، وبها عسكر الديلم ، فهزموهم وأخذوا البلد منهم .

ولحق الديلم بجيرفت ، فاجتمعوا بها ، وجعلوا ببردسير من يحميها ، وهي أصل بلاد كرمان ومصرها ، فقصدها طاهر وحصرها ثلاثة أشهر ، فضاق بأهلها ، وكتبوا إلى أستاذ هرمز يعلمونه حالهم ، وأنه إن لم يدركهم سلموا البلد . فركب الخطر وسار مجدا في مضايق جبال وعرة ، حتى أتى بردسير ، فلما وصل إليها رحل طاهر ومن معه عنها ، وعادوا إلى سجستان ، واستقرت كرمان للديلم ، وكان ذلك سنة أربع وثمانين وثلاثمائة .

التالي السابق


الخدمات العلمية