[ ص: 32 ] 434
ثم دخلت
سنة أربع وثلاثين وأربعمائة ذكر
ملك طغرلبك مدينة خوارزم
قد تقدم أن
خوارزم كانت من جملة مملكة
nindex.php?page=showalam&ids=14503محمود بن سبكتكين ، فلما توفي وملك بعده ابنه
مسعود كانت له ، وكان فيها
ألتونتاش حاجب أبيه
محمود ، وهو من أكابر أمرائه ، يتولاها
لمحمود ومسعود بعده ، ولما كان
مسعود مشغولا بقصد أخيه
محمد لأخذ الملك ، قصد الأمير
علي تكين صاحب ما وراء النهر أطراف بلاده وشعثها ، فلما فرغ
مسعود من أمر أخيه واستقر الملك له كاتب
ألتونتاش في سنة أربع وعشرين بقصد أعمال
علي تكين ، وأخذ
بخارى وسمرقند ، وأمده بجيش كثيف ، فعبر
جيحون ، وفتح من بلاد
علي تكين ما أراد ، وانحاز
علي تكين من بين يديه .
وأقام
ألتونتاش بالبلاد التي فتحها ، فرأى دخلها لا يفي بما تحتاج عساكره ; لأنه كان يريد [ أن ] يكون في جمع كثير يمتنع بهم على الترك ، فكاتب
مسعودا في ذلك واستأذنه في العود إلى
خوارزم ، فأذن له ، فلما عاد لحقه
علي تكين على غرة وكبسه ، فانهزم
علي تكين ، وصعد إلى
قلعة دبوسية ، فحصره
ألتونتاش وكاد يأخذه ! فراسله
لي تكين واستعطفه وضرع إليه ، فرحل عنه وعاد إلى
خوارزم .
وأصاب
ألتونتاش في هذه الوقعة جراحة ، فلما عاد إلى
خوارزم مرض منها وتوفي ، وخلف من الأولاد ثلاثة بنين :
هارون ،
ورشيد ،
وإسماعيل ، فلما توفي ضبط البلد وزيه
أبو نصر أحمد بن محمد بن عبد الصمد ، وحفظ الخزائن وغيرها ، وأعلم
مسعودا ، فولى ابنه الكبير
هارون خوارزم ، وسيره إليها ، وكان عنده .
[ ص: 33 ] واتفق أن
الميمندي وزير
مسعود توفي ، فاستحضر
أبا نصر بن محمد بن عبد الصمد واستوزره ، فاستناب
أبو نصر عند
هارون ابنه
عبد الجبار ، وجعله وزيره ، فجرى بينه وبين
هارون منافرة أسرها
هارون في نفسه ، وحسن له أصحابه القبض على
عبد الجبار ، والعصيان على
مسعود ، فأظهر العصيان في شهر رمضان سنة خمس وعشرين [ وأربعمائة ] ، وأراد قتل
عبد الجبار فاختفى منه ، فقال أعداء أبيه للملك
مسعود : إن
أبا نصر واطأ
هارون على العصيان ، وإنما اختفى ابنه حيلة ومكرا ، فاستوحش منه إلا أنه لم يظهر ذلك له .
وعزم
مسعود على الخروج من
غزنة إلى
خوارزم ، فسار عن
غزنة والزمان شتاء ، فلم يمكنه قصد
خوارزم ، فسار إلى
جرجان طالبا
أنوشروان بن منوجهر ، ليقابله على ما ظهر منه عند اشتغال
مسعود بقتال
أحمد ينال تكين ببلاد
الهند .
فلما كان ببلاد
جرجان أتاه كتاب
عبد الجبار أبي نصر بقتل
هارون ، وإعادة البلد إلى طاعته ، وكان
عبد الجبار في بدء استتاره يعمل على قتل
هارون ، ووضع جماعة على الفتك به ، فقتلوه عند خروجه إلى الصيد ، وقام
عبد الجبار بحفظ البلد .
فلما وقف
مسعود على كتاب
عبد الجبار علم أن الذي قيل عن أبيه كان باطلا ، فعاد إلى الثقة به ، وبقي
عبد الجبار أياما يسيرة ، فوثب به غلمان
هارون فقتلوه ، وولوا البلد
إسماعيل بن ألتونتاش ، وقام بأمره شكر خادم أبيه ، وعصوا على
مسعود .
فكتب
مسعود إلى
شاهملك بن علي ، أحد أصحاب الأطراف بنواحي
خوارزم ، بقصد
خوارزم وأخذها ، فسار إليها ، فقاتله شكر
وإسماعيل ومنعاه عن البلد ، فهزمهما وملك البلد ، فسارا إلى
طغرلبك وداود السلجقيين والتجآ إليهما ، وطلبا المعونة منهما ، فسار
داود معهما إلى
خوارزم ، فلقيهم
شاهملك وقاتلهم فهزمهم ، ولما جرى على
مسعود من القتل ما جرى وملك
مودود ، دخل
شاهملك في طاعته وصافاه ، وتمسك كل واحد منهما بصاحبه .
ثم إن
طغرلبك سار إلى
خوارزم فحصرها وملكها واستولى عليها ، وانهزم
شاهملك بين يديه ، واستصحب أمواله وذخائره ومضى في المفازة إلى
دهستان ، ثم انتقل عنها إلى
طبس ، ثم إلى أطراف
كرمان ، ثم إلى أعمال
التيز ومكران ، فلما وصل
[ ص: 34 ] إلى هناك علم خلاصه ببعده ، وأمن في نفسه ، فعرف خبره
أرتاش أخو
nindex.php?page=showalam&ids=17395إبراهيم ينال ، وهو ابن عم
طغرلبك ، فقصده في أربعة آلاف فارس ، فأوقع به وأسره وأخذ ما معه ، ثم عاد به فسلمه إلى
داود ، وحصل هو بما غنم من أمواله ، وعاد بعد ذلك إلى
باذغيس المقاربة
لهراة ، وأقام على محاصرة
هراة ، لأنهم إلى هذه الغاية كانوا مقيمين على الامتناع والاعتصام ببلدهم والثبات على طاعة
مودود بن مسعود ، فقاتلهم
أهل هراة ، وحفظوا بلدهم مع خراب سوادهم ، وإنما حملهم على ذلك الحرب ، خوفا من الغز .