ذكر
ابتداء دولة الملثمين في هذه السنة كان ابتداء أمر
الملثمين ، وهم عدة قبائل ينسبون إلى
حمير ، أشهرها :
لمتونة ، ومنها أمير المسلمين
nindex.php?page=showalam&ids=13023علي بن يوسف بن تاشفين ،
وجدالة ،
ولمطة .
وكان أول مسيرهم من
اليمن أيام
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - فسيرهم إلى
الشام ، وانتقلوا إلى
مصر ، ودخلوا
المغرب مع
nindex.php?page=showalam&ids=17181موسى بن نصير ، وتوجهوا مع
طارق إلى
طنجة ، فأحبوا الانفراد ، فدخلوا الصحراء واستوطنوها إلى هذه الغاية .
فلما كان هذه السنة توجه رجل منهم ، اسمه
الجوهر ، من قبيلة
جدالة إلى
إفريقية ، طالبا للحج ، وكان محبا للدين وأهله ، فمر بفقيه
بالقيروان ، وعنده جماعة يتفقهون ، قيل : هو
nindex.php?page=showalam&ids=12108أبو عمران الفاسي في غالب الظن ، فأصغى
الجوهر إليه ، وأعجبه حالهم .
فلما انصرف من الحج قال للفقيه : ما عندنا في الصحراء من هذا شيء غير الشهادتين ، والصلاة في بعض الخاصة ، فابعث معي من يعلمهم شرائع الإسلام ، فأرسل معه رجلا اسمه
عبد الله بن ياسين الكزولي ، وكان فقيها ، صالحا ، شهما ، فسار معه حتى أتيا قبيلة
لمتونة ، فنزل
الجوهر عن جمله ، وأخذ بزمام جمل
عبد الله بن ياسين ، تعظيما لشريعة الإسلام ، فأقبلوا إلى
الجوهر يهنئونه بالسلامة ، وسألوه عن
[ ص: 135 ] الفقيه فقال : هذا حامل سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جاء يعلمكم ما يلزم في دين الإسلام . فرحبوا بهما وأنزلوهما ، وقالوا : تذكر لنا شريعة الإسلام . فعرفهم عقائد الإسلام وفرائضه ، فقالوا : أما ما ذكرت من الصلاة والزكاة ، فهو قريب ، وأما قولك : من قتل يقتل ، ومن سرق يقطع ، ومن زنى يجلد أو يرجم - فأمر لا نلتزمه ، اذهب إلى غيرنا .
فرحلا عنهم ، فنظر إليهما شيخ كبير فقال : لا بد وأن يكون لهذا الجمل في هذه الصحراء شأن يذكر في العالم . فانتهى
الجوهر والفقيه إلى
جدالة ، قبيل
الجوهر ، فدعاهم
عبد الله بن ياسين والقبائل الذين يجاورونهم إلى حكم الشريعة ، فمنهم من أطاع ، ومنهم من أعرض وعصى .
ثم إن المخالفين لهم تحيزوا وتجمعوا ، فقال
ابن ياسين للذين أطاعوا : قد وجب عليكم أن تقاتلوا هؤلاء الذين خالفوا الحق ، وأنكروا شرائع الإسلام ، واستعدوا لقتالكم ، فأقيموا لكم راية ، وقدموا عليكم أميرا . فقال له
الجوهر : أنت الأمير . فقال : لا ، إنما أنا حامل أمانة الشريعة ، ولكن أنت الأمير . فقال
الجوهر : لو فعلت هذا تسلط قبيلي على الناس ، ويكون وزر ذلك علي . فقال له
ابن ياسين : الرأي أن نولي ذلك
أبا بكر بن عمر ، رأس
لمتونة وكبيرها ، وهو رجل سيد ، مشكور الطريق ، مطاع في قومه ، فهو يستجيب لنا لحب الرئاسة ، وتتبعه قبيلته ، فنتقوى بهم .
فأتيا
أبا بكر بن عمر ، وعرضا ذلك عليه ، فأجاب ، فعقدوا له البيعة ، وسماه
ابن ياسين أمير المسلمين ، وعادوا إلى
جدالة ، وجمعوا إليهم من حسن إسلامه ، وحرضهم
عبد الله بن ياسين على الجهاد في سبيل الله ، وسماهم
مرابطين ، وتجمع عليهم من خالفهم ، فلم يقاتلهم
المرابطون ، بل استعان
ابن ياسين وأبو بكر بن عمر على أولئك
[ ص: 136 ] الأشرار بالمصلحين من قبائلهم ، فاستمالوهم وقربوهم حتى حصلوا منهم نحو ألفي رجل من أهل البغي والفساد ، فتركوهم في مكان ، وخندقوا عليهم وحفظوهم ، ثم أخرجوهم قوما بعد قوم ، فقتلوهم ، فحينئذ دانت لهم أكثر قبائل الصحراء ، وهابوهم ، فقويت شوكة
المرابطين .
هذا
وعبد الله بن ياسين مشتغل بالعلم ، وقد صار عنده منهم جماعة يتفقهون ، ولما استبد بالأمر هو
وأبو بكر بن عمر عن
الجوهر الجدالي ، وبقي لا حكم له - تداخله الحسد ، وشرع سرا في فساد الأمر ، فعلم بذلك منه ، وعقد له مجلس ، وثبت عليه ما نقل عنه ، فحكم عليه بالقتل لأنه نكث البيعة وشق العصا ، وأراد محاربة أهل الحق ، فقتل بعد أن صلى ركعتين ، وأظهر السرور بالقتل طلبا للقاء الله تعالى . فاجتمعت القبائل على طاعتهم ، ومن خالفهم قتلوه .
فلما كانت سنة خمسين وأربعمائة قحطت بلادهم ، ( فأمر
ابن ياسين ضعفاءهم بالخروج إلى
السوس وأخذ الزكاة ، فخرج منهم نحو تسعمائة رجل ، فقدموا
سجلماسة ، وطلبوا الزكاة ، فجمعوا لهم شيئا له قدر وعادوا .
ثم إن الصحراء ضاقت عليهم ، وأرادوا إظهار كلمة الحق ، والعبور إلى
الأندلس ليجاهدوا الكفار ، فخرجوا إلى
السوس الأقصى ، فجمع لهم
أهل السوس وقاتلوهم ، فانهزم
المرابطون ، وقتل
عبد الله بن ياسين الفقيه ، فعاد
أبو بكر بن عمر فجمع جيشا وخرج إلى
السوس في ألفي راكب ، فاجتمع من بلاد
السوس وزناتة اثنا عشر ألف فارس ، فأرسل إليهم وقال : افتحوا لنا الطريق لنجوز إلى
الأندلس ونجاهد أعداء الإسلام . فأبوا ذلك ، فصلى
أبو بكر ، ودعا الله - تعالى - وقال : اللهم إن كنا على الحق فانصرنا ، وإلا فأرحنا من هذه الدنيا . ثم قاتلهم وصدق هو وأصحابه القتال ، فنصرهم الله - تعالى - وهزم
أهل السوس ومن معهم وأكثر القتل فيهم ، وغنم
المرابطون أموالهم وأسلابهم ، وقويت نفسه ونفوس أصحابه ، وساروا إلى
سجلماسة فنزلوا عليها ، وطلبوا من أهلها الزكاة ، فامتنعوا عليهم ، وسار إليهم صاحب
سجلماسة فقاتلهم ، فهزموه
[ ص: 137 ] وقتلوه ، ودخلوا
سجلماسة واستولوا عليها ، وكان ذلك سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة .