ذكر
ابتداء ظهور السلطان محمد بن ملكشاه
كان
السلطان محمد وسنجر أخوين لأم وأب ، أمهما أم ولد ، ولما مات أبوه
ملكشاه كان
محمد معه
ببغداذ ، فسار مع أخيه
محمود ،
وتركان خاتون زوجة والده إلى
أصبهان ، ولما حصر
بركيارق أصبهان خرج
محمد متخفيا ، ومضى إلى والدته ، وهي في عسكر أخيه
بركيارق ، وقصد أخاه السلطان
بركيارق ، وسار معه إلى
بغداذ سنة ست وثمانين وأربعمائة ، وأقطعه
بركيارق كنجة وأعمالها ، وجعل معه أتابكا له الأمير
قتلغ تكين ، فلما قوي
محمد قتله ، واستولى على جميع أعمال أران الذي من جملته كنجة ، فعرف ذلك الوقت شهامة
محمد .
وكان السلطان ملكشاه قد أخذ تلك البلاد من فضلون بن أبي الأسوار الروادي ، وسلمها إلى سرهنك ساوتكين الخادم ، وأقطع فضلون أستراباذ ، وعاد فضلون ضمن بلاده ، ثم عصى فيها لما قوي ، فأرسل السلطان إليه الأمير بوزان ، فحاربه وأسره ، وأقطع بلاده لجماعة منهم :
ياغي سيان ، صاحب
أنطاكية ، ولما مات
ياغي سيان عاد ولده إلى ولاية أبيه في هذه البلاد ، وتوفي فضلون
ببغداذ سنة أربع وثمانين [ وأربعمائة ] وهو على غاية من الإضاقة في مسجد على
دجلة .
وقد ذكرنا فيما تقدم تنقل الأحوال
بمؤيد الملك عبيد الله بن نظام الملك ، وأنه كان عند
الأمير أنر ، فحسن له عصيان السلطان
بركيارق ، فلما قتل أنر سار إلى
الملك محمد ، فأشار عليه بمخالفة أخيه ، والسعي في طلب السلطنة ، ففعل ذلك ، وقطع خطبة
بركيارق من بلاده ، وخطب لنفسه بالسلطنة واستوزر
مؤيد الملك .
[ ص: 429 ] واتفق قتل
مجد الملك البلاساني ، واستيحاش العسكر من السلطان
بركيارق ، وفارقوه وساروا نحو
السلطان محمد ، فلقوه بخرقان ، فصاروا معه ، وساروا نحو
الري .
وكان السلطان
بركيارق لما فارقه عسكره سار مجدا إلى
الري ، فأتاه بها الأمير ينال بن أنوشتكين الحسامي ، وهو من أكابر الأمراء ، ووصل إليه أيضا
عز الملك منصور بن نظام الملك ، وأمه
ابنة ملك الأبخاز ، ومعه عساكر جمة ، فبلغه مسير أخيه
محمد إليه في العساكر ، فسار من
الري إلى
أصبهان ، فلم يفتح أهلها له الأبواب ، فسار إلى
خوزستان ، على ما نذكره .
وورد
السلطان محمد إلى
الري ثاني ذي القعدة ، فوجد
زبيدة خاتون والدة أخيه السلطان
بركيارق قد تخلفت بعد ابنها ، فأخذها
مؤيد الملك وسجنها في القلعة ، وأخذ خطها بخمسة آلاف دينار ، وأراد قتلها ، وأشار عليه ثقاته أن لا يفعل ذلك ، فلم يقبل منهم ، وقالوا له : العسكر محبون لولدها ، وإنما استوحشوا منه لأجلها ، ومتى قتلت عدلوا عليه ، فلا تغتر بهؤلاء الجند ، فإنهم غدروا بمن أحسن إليهم أوثق ما كان بهم ، فلم يصغ إلى قولهم ، ورفعها إلى القلعة ، وخنقت ، وكان عمرها اثنتين وأربعين سنة ، فلما أسر السلطان
بركيارق مؤيد الملك رأى خطه في تذكرته بخمسة آلاف دينار ، فكان أعظم الأسباب في قتله .