[ ص: 77 ] ذكر
ملك أفريدون
وهو
أفريدون بن أثغيان ، وهو من ولد
جم شيد . وقد زعم بعض نسابة
الفرس أن
نوحا هو
أفريدون الذي قهر
الضحاك ، وسلبه ملكه ، وزعم بعضهم أن
أفريدون هو
ذو القرنين صاحب
إبراهيم الذي ذكره الله في كلامه العزيز ، وإنما ذكرته في هذا الموضع لأن قصته في أولاده الثلاثة شبيهة بقصة
نوح على ما سيأتي ولحسن سيرته ، وهلاك
الضحاك على يديه ، ولأنه قيل إن هلاك
الضحاك كان على يد
نوح .
وأما باقي نسابة
الفرس فإنهم ينسبون
أفريدون إلى
جم شيد الملك ، وكان بينهما عشرة آباء كلهم يسمى أثغيان خوفا من
الضحاك ، وإنما كانوا يتميزون بألقاب لقبوها ، فكان يقال لأحدهم
أثغيان صاحب البقر الحمر ،
وأثغيان صاحب البقر البلق ، وأشباه ذلك ، وكان
أفريدون أول من ذلل الفيلة ، وامتطاها ، ونتج البغال ، واتخذ الإوز ، والحمام ، وعمل الترياق ، ورد المظالم ، وأمر الناس بعبادة الله ، والإنصاف ، والإحسان ، ورد على الناس ما كان
الضحاك غصبه من الأرض وغيرها ، إلا ما لم يجد له صاحبا فإنه وقفه على المساكين .
وقيل : إنه أول من سمي الصوفي ، وهو
أول من نظر في علم الطب . ومكان له ثلاثة بنين ، اسم الأكبر
شرم ، والثاني
طوج ، والثالث
إيرج ، فخاف أن يختلفوا بعده فقسم ملكه بينهم أثلاثا ، وجعل ذلك في سهام كتب أسماءهم عليها ، وأمر كل واحد منهم فأخذ
[ ص: 78 ] سهما ، فصارت
الروم ، وناحية العرب
لشرم ، وصارت
الترك ،
والصين لطوج ، وصارت
العراق ،
والسند ،
والهند ،
والحجاز ، وغيرها
لإيرج ، وهو الثالث ، وكان يحبه ، وأعطاه التاج والسرير ، ومات
أفريدون ونشبت العداوة بين أولاده وأولادهم من بعدهم ، ولم يزل التحاسد ينمو بينهم إلى أن وثب
طوج ،
وشرم على أخيهما
إيرج ، فقتلاه ، وقتلا ابنين كانا
لإيرج ، وملكا الأرض بينهما ثلاثمائة سنة . ولم يزل
أفريدون يتبع من بقي بالسواد من آل
نمرود والنبط وغيرهم حتى أتى على وجوههم ومحا أعلامهم ، وكان ملكه خمسمائة سنة .