ذكر
ملك صدقة البصرة في هذه السنة ، في جمادى الأولى ، انحدر
سيف الدولة من
الحلة إلى
البصرة فملكها .
وقد ذكرنا فيما تقدم تمكن
إسماعيل بن أرسلانجق من
البصرة ونواحيها ، وأقام بها عشر سنين نافذ الأمر ، وازداد قوة وتمكنا بالاختلاف الواقع بين السلاطين ، وأخذ الأموال السلطانية ، وكان قد راسل
صدقة ، وأظهر له أنه في طاعته وموافقته . فلما استقر الأمر
للسلطان محمد أراد أن يرسل إلى
البصرة مقطعا يأخذها من إسماعيل ، فخاطب
صدقة في معناه ، حتى أقرت
البصرة عليه ، فأنفذ السلطان عميدا إليها ليتولى ما يتعلق بالسلطان هناك ، فمنعه
إسماعيل ، ولم يمكنه من عمله ، وفعل ما خرج به عن حد المجاملة ، فأمر السلطان
صدقة بقصده ، وأخذ
البصرة منه ، فتحرك لذلك .
فاتفق ظهور
منكبرس ، وخلافه على السلطان ، وأنه على قصد
واسط ، فسر
إسماعيل بذلك ، وزاد انبساطه ، وأرسل
صدقة حاجبا له ، وكان قبله قد خدم أباه وجده ، إلى
إسماعيل يأمره بتسليم الشرطة وأعمالها إلى
مهذب الدولة بن أبي الجبر لأنها كانت في ضمانه ، فوصل إلى الشرطة ، وأخذ منها أربعمائة دينار ، فأحضره
إسماعيل وحبسه ، وأخذ الدنانير منه ، فلما رأى
صدقة مكاشفته سار من حلته ، وأظهر أنه يريد قصد الرحبة ، ثم جد السير إلى
البصرة ، فلم يشعر
إسماعيل إلا بقربه منه ، ففرق
[ ص: 520 ] أصحابه في القلاع التي استجدها بمطارا ونهر معقل ، وغيرهما ، واعتقل وجوه
العباسيين ،
والعلويين ، وقاضي
البصرة ، ومدرسها ، وأعيان أهلها .
ونازلهم
صدقة ، فجرى قتال بين طائفة من عسكره ، وطائفة من
البصريين ، قتل فيه
أبو النجم بن أبي القاسم الورامي ، وهو ابن خال
nindex.php?page=showalam&ids=16151سيف الدولة صدقة ، فمما مدح به
سيف الدولة ، ورثي به
أبو النجم بن أبي القاسم ، قول بعضهم :
تهن ، يا خير من يحمي حريم حمى ، فتحا أغثت به الدنيا مع الدين ركبت للبصرة الغراء في نخب
غر ، كجيش علي يوم صفين هوى أبو النجم كالنجم المنير بها
لكنه كان رجما للشياطين
وأقام
صدقة محاصرا
لإسماعيل بالبصرة ، فأشار على
nindex.php?page=showalam&ids=16151سيف الدولة صدقة بعض أصحابه بالعود عنها ، وأعلموا أنهم لا يظفرون بطائل ، فأشار عليهم بالمقام ، وقالوا : إن رحلنا كانت كسرة ، وكان رأي
سيف الدولة المقام ، وقال : إن تعذر علي فتح
البصرة لم يطعني أحد ، واستعجزني الناس .
ثم إن
إسماعيل خرج من البلد ، وقاتل
صدقة ، فسار بعض أصحاب
صدقة إلى مكان آخر من البلد ، ودخلوه ، وقتلوا من
السوادية ، الذين جمعهم
إسماعيل ، خلقا كثيرا ، وانهزم
إسماعيل إلى قلعته
بالجزيرة ، فأدركه بعض أصحاب
سيف الدولة وأراد قتله ، ففداه أحد غلمانه بنفسه ، فوقعت الضربة فيه فأثخنته ، فنهبت
البصرة ، وغنم من معه من عرب البر ، وغيرهم ما فيها ، ولم يسلم منهم إلا المحلة المجاورة لقبر
طلحة والمربد ، فإن العباسيين دخلوا
المدرسة النظامية وامتنعوا بها ، وحموا المربد ، وعمت المصيبة لأهل البلد ، سوى من ذكرنا ، وامتنع
إسماعيل بقلعته .
فاتفق أن
المهذب بن أبي الجبر انحدر في سفن كثيرة ، وأخذ القلعة التي
لإسماعيل بمطارا ، وقتل بها خلقا من أصحاب
إسماعيل ، وحمل إلى
صدقة كثيرا فأطلقهم .
فلما علم
إسماعيل بذلك أرسل إلى
صدقة يطلب الأمان على نفسه ، وأهله ، وأمواله ، فأجابه إلى ذلك ، وأجله سبعة أيام ، فأخذ كل ما يمكنه حمله مما يعز عليه ،
[ ص: 521 ] وما لم يقدر على حمله أهلكه بالماء وغيره ، ونزل إلى
سيف الدولة وأمن
سيف الدولة أهل البصرة من كل أذى ، ورتب عندهم شحنة ، وعاد إلى الحلة ثالث جمادى الآخرة ، وكان مقامه
بالبصرة ستة عشر يوما .
وأما
إسماعيل فإنه لما سار
صدقة إلى
الحلة قصد هو الباسيان إلى أن وصله ماله في المراكب ، وسار نحو
فارس ، وصار يتعنت أصحابه ، وزوجته ، وقبض على جماعة من خواصه وقال لهم : أنتم سقيتم ولدي
أفراسياب السم حتى مات ! وكان قد مات في صفر من هذه السنة ، ففارقه كثير منهم ، حتى زوجته فارقته وسارت إلى
بغداذ .
وأخذته الحمى ، وقويت عليه ، فلما بلغ
رامهرمز انفرد في خيمته ، ولم يظهر لأصحابه يوما وليلة ، فظهر لهم موته ، فنهبوا ماله وتفرقوا ، فأرسل
الأمير برامهرمز فردهم وأخذ ما معهم من أمواله ، ودفن بالقرب من
إيذاج ، وكان عمره قد جاوز خمسين سنة ، وكانت سيرته قد حسنت في
أهل البصرة أخيرا .