[ ص: 587 ] 505
ثم دخلت سنة خمس وخمسمائة
ذكر
مسير العساكر إلى قتال الفرنج في هذه السنة اجتمعت العساكر التي أمرها السلطان بالمسير إلى قتال
الفرنج ، فكانوا : الأمير
مودودا صاحب
الموصل ، والأمير
سكمان القطبي ، صاحب
تبريز وبعض
ديار بكر ، والأميرين
إيلبكي وزنكي ابني برسق ، ولهما
همذان وما جاورها ، والأمير
أحمديل ، وله
مراغة ، وكوتب الأمير
أبو الهيجاء ، صاحب
إربل ، والأمير
nindex.php?page=showalam&ids=12445إيلغازي ، صاحب
ماردين ، والأمراء البكجية ، باللحاق بالملك
مسعود ،
ومودود ، فاجتمعوا ، ما عدا الأمير
nindex.php?page=showalam&ids=12445إيلغازي فإنه سير ولده
إياز وأقام هو ، فلما اجتمعوا ساروا إلى بلد
سنجار ، ففتحوا عدة حصون للفرنج ، وقتل من بها منهم ، وحصروا مدينة
الرها مدة ، ثم رحلوا عنها من غير أن يملكوها .
وكان سبب رحيلهم عنها أن
الفرنج اجتمعت جميعها ، فارسها وراجلها ، وساروا إلى
الفرات ليعبروه ليمنعوا
الرها من المسلمين ، فلما وصلوا إلى
الفرات بلغهم كثرة المسلمين ، فلم يقدموا عليه ، وأقاموا على
الفرات ، فلما رأى المسلمون ذلك رحلوا عن
الرها إلى
حران ليطمع
الفرنج ويعبروا
الفرات إليهم ويقاتلوهم ، فلما رحلوا عنها جاء
الفرنج ، ومعهم الميرة والذخائر ، إلى
الرها ، فجعلوا فيها كل ما يحتاجون إليه ، بعد أن كانت قليلة الميرة ، وقد أشرفت على أن تؤخذ ، وأخذوا كل من فيه عجز وضعف
[ ص: 588 ] وفقر ، وعادوا إلى
الفرات فعبروه إلى الجانب الشامي ، وطرقوا أعمال
حلب ، فأفسدوا ما فيها ، ونهبوها ، وقتلوا فيها وأسروا ، وسبوا خلقا كثيرا .
وكان سبب ذلك أن
الفرنج لما عبروا إلى
الجزيرة خرج
الملك رضوان ، صاحب
حلب ، إلى ما أخذه
الفرنج من أعمالها ، فاستعاد بعضه ، ونهب منهم وقتل ، فلما عادوا وعبروا
الفرات فعلوا بأعماله ما فعلوا .
وأما العسكر السلطاني فلما سمعوا بعود
الفرنج وعبورهم
الفرات ، رحلوا إلى
الرها وحصروها ، فرأوا أمرا محكما ، قد قويت نفوس أهلها بالذخائر التي تركت عندهم ، وبكثرة المقاتلين عنهم ، ولم يجدوا فيها مطمعا ، فرحلوا عنها ، وعبروا
الفرات ، فحصروا قلعة
تل باشر خمسة وأربعين يوما ، ورحلوا عنها ولم يبلغوا غرضا .
ووصلوا إلى
حلب ، فأغلق
الملك رضوان أبواب البلد ، ولم يجتمع بهم ، ثم مرض هناك الأمير
سكمان القطبي ، فعاد مريضا ، فتوفي في
بالس ، فجعله أصحابه في تابوت ، وحملوه عائدين إلى بلاده ، فقصدهم
nindex.php?page=showalam&ids=12445إيلغازي ليأخذهم ، ويغنم ما معهم ، فجعلوا تابوته في القلب ، وقاتلوا بين يديه ، فانهزم
nindex.php?page=showalam&ids=12445إيلغازي ، وغنموا ما معه ، وساروا إلى بلادهم .
ولما أغلق
الملك رضوان أبواب
حلب ، ولم يجتمع بالعساكر السلطانية ، رحلوا إلى معرة
النعمان ، واجتمع بهم
nindex.php?page=showalam&ids=16252طغتكين ، صاحب
دمشق ، ونزل على الأمير
مودود ، فاطلع من الأمراء على نيات فاسدة في حقه ، فخاف أن تؤخذ منه
دمشق ، فشرع في مهادنة
الفرنج سرا وكانوا قد نكلوا عن قتال المسلمين ، فلم يتم ذلك ، وتفرقت العساكر .
وكان سبب تفرقهم أن الأمير
برسق بن برسق الذي هو أكبر الأمراء كان به نقرس ، فهو يحمل في محفة ، ومات
سكمان القطبي ، كما ذكرنا ، وأراد الأمير
أحمديل صاحب
مراغة العود ، ليطلب من السلطان أن يقطعه ما كان
لسكمان من
[ ص: 589 ] البلاد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16252وأتابك طغتكين ، صاحب
دمشق ، خاف الأمراء على نفسه ، فلم ينصحهم ، إلا أنه حصل بينه وبين
مودود ، صاحب
الموصل ، مودة وصداقة ، فتفرقوا لهذه الأسباب ، وبقي
مودود وطغتكين بالمعرة ، فساروا منها ، ونزلوا على
نهر العاصي .
ولما سمع
الفرنج بتفرق عساكر الإسلام طمعوا ، وكانوا قد اجتمعوا كلهم ، بعد الاختلاف والتباين ، وساروا إلى
أفامية ، فسمع بهم
السلطان بن منقذ ، صاحب
شيزر ، فسار إلى
مودود وطغتكين ، وهون عليهما أمر
الفرنج ، وحرضهما على الجهاد ، فرحلوا إلى
شيزر ، ونزلوا عليها ، ونزل
الفرنج بالقرب منهم ، فضيق عليهم عسكر المسلمين الميرة ، ولزوهم بالقتال ،
والفرنج يحفظون نفوسهم ، ولا يعطون مصافا ، فلما رأوا قوة المسلمين عادوا إلى
أفامية وتبعهم المسلمون ، فتخطفوا من أدركوه في ساقتهم وعادوا إلى
شيزر في ربيع الأول .