ذكر
قتل نصير الدين جقر وولاية زين الدين علي كوجك قلعة الموصل
في هذه السنة ، في ذي القعدة ، قتل
نصير الدين جقر نائب
أتابك زنكي بالموصل والأعمال جميعها التي شرق
الفرات .
وسبب قتله أن الملك
ألب أرسلان المعروف بالخفاجي ، ولد
السلطان محمود ، كان عند
أتابك الشهيد ، وكان يظهر للخلفاء
والسلطان مسعود وأصحاب الأطراف أن هذه البلاد لهذا الملك ، وأنا نائبه فيها ، وكان ينتظر وفاة
السلطان مسعود ليخطب له بالسلطنة ، ويملك البلاد باسمه ، وكان هذا الملك
بالموصل ، هذه السنة ،
ونصير الدين يقصده كل يوم ليقوم بخدمة إن عرضت له ، فحسن له بعض المفسدين طلب الملك ، وقال له : إن قتلت
نصير الدين ملكت
الموصل وغيرها من البلاد ، ولا يبقى مع
أتابك زنكي فارس واحد . فوقع هذا منه موقعا حسنا وظنه صدقا ، فلما دخل
نصير الدين إليه وثب عليه من عنده من أجناد
أتابك ومماليكه فقتلوه ، وألقوا برأسه إلى أصحابه
[ ص: 134 ] ظنا منهم أن أصحابه يتفرقون ويخرج الملك ويملك البلد .
وكان الأمر خلاف ما ظنوه ، فإن أصحابه وأصحاب
أتابك الذين في خدمته لما رأوا رأسه قاتلوا من بالدار مع الملك ، واجتمع معهم الخلق الكثير ، وكانت دولة
أتابك مملوءة بالرجال والأجلاد ذوي الرأي والتجربة ، ثم دخل إليه
القاضي تاج الدين يحيى بن الشهرزوري ولم يزل به يخدعه ، وكان فيما قال له حين رآه منزعجا : يا مولانا ، لم تحرد من هذا الكلب ؟ هذا وأستاذه مماليكك ، والحمد لله الذي أراحنا منه ومن صاحبه على يدك ، وما الذي يقعدك في هذه الدار ؟ قم لتصعد القلعة وتأخذ الأموال والسلاح وتملك البلد وتجمع الجند ، وليس دون البلاد بعد
الموصل مانع .
فقام معه وركب القلعة ، فلما قاربها أراد من بها من النقيب والأجناد القتال ، فتقدم إليهم
تاج الدين وقال لهم : افتحوا الباب وتسلموه ، وافعلوا به ما أردتم . ففتحوا الباب ودخل الملك والقاضي إليها ومعهما من أعان على قتل
نصير الدين ، فسجنوا ونزل القاضي .
وبلغ الخبر
أتابك زنكي وهو يحاصر
قلعة البيرة ، وقد أشرف على ملكها ، فخاف أن تختلف البلاد الشرقية بعد قتل
نصير الدين ، ففارق
البيرة وأرسل
زين الدين علي بن بكتكين إلى قلعة
الموصل واليا على ما كان
نصير الدين يتولاه .