[ ص: 22 ] ذكر
عود صلاح الدين إلى عسكره ودخوله إلى الفرنج
لما أتت
صلاح الدين البشارة بهزيمة
الاسبتارية والداوية ، وقتل من قتل منهم ، وأسر من أسر ، عاد عن
الكرك إلى العسكر الذي مع ولده
الملك الأفضل ، وقد تلاحقت سائر الأمداد والعساكر ، واجتمع بهم ، وساروا جميعا .
وعرض العسكر ، فبلغت عدتهم اثني عشر ألف فارس ممن له الأقطاع والجامكية ، سوى المتطوعة ، فعبأ عسكره قلبا وجناحين ، وميمنة وميسرة وجالسية وساقة ، وعرف كل منهم موضعه وموقفه ، وأمره بملازمته . وسار على تعبئة ، فنزل
بالأقحوانة بقرب
طبرية ، وكان
القمص قد انتمى إلى
صلاح الدين ، كما ذكرنا ، وكتبه متصلة إليه يعده النصرة ، ويمنيه المعاضدة ، وما يعدهم الشيطان إلا غرورا .
فلما رأى الفرنج اجتماع العساكر الإسلامية ، وتصميم العزم على قصد بلادهم ، أرسلوا إلى
القمص البطرك والقسوس والرهبان ، وكثيرا من الفرسان ، فأنكروا عليه انتماءه إلى
صلاح الدين ، وقالوا له : لا شك أنك أسلمت ، وإلا لم تصبر على ما فعل المسلمون أمس بالفرنج ، يقتلون
الداوية والاسبتارية ، ويأسرونهم ، ويجتازون بهم عليك ، وأنت لا تنكر ذلك ولا تمنع عنه .
ووافقهم على ذلك من عنده من عسكر
طبرية وطرابلس ، وتهدده
البطرك أنه يحرمه ، ويفسخ نكاح زوجته ، إلى غير ذلك من التهديد .
فلما رأى
القمص شدة الأمر عليه خاف ، فاعتذر وتنصل وتاب ، فقبلوا عذره ، وغفروا زلته ، وطلبوا منه الموافقة على المسلمين ، والمؤازرة على حفظ بلادهم ، فأجابهم إلى المصالحة والانضمام إليهم ، والاجتماع معهم .
وسار معهم إلى ملك الفرنج ، واجتمعت كلمتهم بعد فرقتهم ، ولم تغن عنهم من الله شيئا ، وجمعوا فارسهم وراجلهم ، ثم ساروا من
عكا إلى
صفورية ، وهم يقدمون رجلا ويؤخرون أخرى ، قد ملئت قلوبهم رعبا .