[ ص: 94 ] ذكر
وصول الفرنج من الغرب في البحر إلى عكا
وفي هذه السنة وصلت أمداد الفرنج في البحر إلى الفرنج الذين على
عكا ، وكان أول من وصل منهم
الملك فليب ، ملك
إفرنسيس ، وهو من أشرف ملوكهم نسبا ، وإن كان ملكه ليس بالكثير وكان وصوله إليها ثاني عشر ربيع الأول ، ولم يكن في الكثرة التي ظنوها ، وإنما كان معه ست بطس كبار عظام ، فقويت به نفوس من كان على
عكا منهم ولجوا في قتال المسلمين الذين فيها .
وكان
صلاح الدين على شفرعم ، فكان يركب كل يوم ويقصد الفرنج ليشغلهم بالقتال عن مزاحفة البلد وأرسل إلى الأمير أسامة ، مستحفظ
بيروت ، يأمره بتجهيز ما عنده من الشواني والمراكب وتشحينها بالمقاتلة ، وتسييرها في البحر ليمنع الفرنج من الخروج إلى
عكا ، ففعل ذلك .
وسير الشواني في البحر ، فصادفت خمسة مراكب مملوءة رجالا من أصحاب ملك
إنكلتار الفرنج ، كان قد سيرهم بين يديه ، وتأخر هو
بجزيرة قبرس ، ليملكها ، فأقبلت شواني المسلمين مع مراكب الفرنج ، فاستظهر المسلمون عليهم ، وأخذوهم ، وغنموا ما معهم من قوت ومتاع ومال وأسروا الرجال .
وكتب أيضا
صلاح الدين إلى من بالقرب من النواب له يأمرهم بمثل ذلك ففعلوا .
وأما الفرنج الذين على
عكا ، فإنهم لازموا قتال من بها ونصبوا عليها سبعة مجانيق رابع جمادى الأولى ، [ فلما رأى
صلاح الدين ذلك تحول من شفرعم ، ونزل عليهم لئلا يتعب كل العسكر كل يوم في المجيء إليهم والعود عنهم ، فقرب منهم . وكانوا كلما تحركوا للقتال ركب وقاتلهم من وراء خندقهم ، فكانوا يشتغلون بقتالهم ، فيخف القتال عمن بالبلد .
ثم وصل ملك
إنكلتار ثالث عشر جمادى الأولى ] . وكان قد استولى في طريقه على
جزيرة قبرس ، وأخذها من
الروم ، فإنه لما وصل إليها غدر بصاحبها
[ ص: 95 ] وملكها جميعا : فكان ذلك زيادة في ملكه وقوة للفرنج ، فلما فرغ منها سار عنها إلى من على
عكا من الفرنج فوصل إليهم في خمس وعشرين قطعة كبارا مملوءة رجالا وأموالا فعظم به شر الفرنج ، واشتدت نكايتهم في المسلمين .
وكان رجل زمانه شجاعة ومكرا وجلدا وصبرا وبلي المسلمون منه بالداهية التي لا مثل لها .
ولما وردت الأخبار بوصوله أمر
صلاح الدين بتجهيز بطسة كبيرة مملوءة من الرجال والعدة والقوت ، فجهزت وسيرت من
بيروت ، وفيها سبعمائة مقاتل ، فلقيها ملك
إنكلتار مصادفة ، فقاتلها ، وصبر من فيها على قتالها فلما أيسوا من الخلاص نزل مقدم من بها إلى أسفلها ، وهو
يعقوب الحلبي مقدم الجندارية ، يعرف بغلام ابن شقتين ، فخرقها خرقا واسعا لئلا يظفر الفرنج بمن فيها وما معهم من الذخائر ، فغرق جميع ما فيها .
وكانت
عكا محتاجة إلى رجال لما ذكرناه من سبب نقصهم ، ثم إن الفرنج عملوا دبابات وزحفوا بها [ فأحرق المسلمون بعضها وأخذوا بعضها ، ثم عملوا كباشا وزحفوا بها ] فخرج المسلمون وقاتلوهم بظاهر البلد وأخذوا تلك الكباش .
فلما رأى الفرنج أن ذلك جميعه لا ينفعهم عملوا تلا كبيرا من التراب مستطيلا . وما زالوا يقربونه إلى البلد ويقاتلون من ورائه لا ينالهم من البلد أذى . حتى صار على نصف علوه ، فكانوا يستظلون به ، ويقاتلون من خلفه فلم يكن للمسلمين فيه حيلة لا بالنار ولا بغيرها
فحينئذ عظمت المصيبة على من
بعكا من المسلمين ، فأرسلوا إلى
صلاح الدين يعرفونه حالهم ، فلم يقدر لهم على نفع .