ذكر
ملك شهاب الدين أجمير وغيرها من الهند
قد ذكرنا سنة ثلاث وثمانين [ وخمسمائة ] غزوة
شهاب الدين الغوري إلى بلد
الهند ، وانهزامه وبقي إلى الآن وفي نفسه الحقد العظيم على الجند
الغورية الذين انهزموا ، وما ألزمهم من الهوان .
فلما كان هذه السنة خرج من
غزنة وقد جمع عساكره ، وسار منها يطلب عدوه الهندي الذي هزمه تلك النوبة ، فلما وصل إلى
برشاوور تقدم إليه شيخ من
الغورية كان يدل عليه ، فقال له : قد قربنا من العدو ، وما يعلم أحد أين نمضي ، ولا من نقصد ، ولا نرد على الأمراء سلاما ، وهذا لا يجوز فعله .
فقال له السلطان : اعلم أنني منذ هزمني هذا الكافر ما نمت مع زوجتي ، ولا غيرت ثياب البياض عني ، وأنا سائر إلى عدوي ، ومعتمد على الله تعالى لا على
الغورية ، ولا على غيرهم ، فإن نصرني الله سبحانه ونصر دينه فمن فضله وكرمه ، وإن انهزمنا فلا تطلبوني فيمن انهزم ، ولو
[ ص: 116 ] هلكت تحت حوافر الخيل .
فقال له الشيخ : سوف ترى بني عمك من
الغورية ما يفعلون ، فينبغي أن تكلمهم وترد سلامهم . ففعل ذلك وبقي أمراء
الغورية يتضرعون بين يديه ، ويقولون سوف ترى ما نفعل .
وسار إلى أن وصل إلى موضع المصاف الأول ، وجازه مسيرة أربعة أيام ، وأخذ عدة مواضع من بلاد العدو فلما سمع الهندي تجهز ، وجمع عساكره ، وسار يطلب المسلمين ، فلما بقي بين الطائفتين مرحلة عاد
شهاب الدين وراءه والكافر في أعقابه أربع منازل .
فأرسل الكافر إليه يقول له : أعطني يدك ، إنك تصاففني في باب
غزنة حتى أجيء وراءك وإلا فنحن مثقلون ، ومثلك لا يدخل البلاد شبه اللصوص ، ثم يخرج هاربا ، ما هذا فعل السلاطين ، فأعاد الجواب : إنني لا أقدر على حربك .
وتم على حاله عائدا إلى أن بقي بينه وبين بلاد الإسلام ثلاثة أيام ، والكافر في أثره يتبعه ، حتى لحقه قريبا من مرندة ، فجهز [ حينئذ ]
شهاب الدين من عسكره سبعين ألفا ، وقال : أريد هذه الليلة تدورون حتى تكونوا وراء عسكر العدو ، وعند صلاة الصبح تأتون أنتم من تلك الناحية وأنا من هذه الناحية ففعلوا ذلك ، وطلع الفجر .
ومن عادة
الهنود أنهم لا يبرحون من مضاجعهم إلى أن تطلع الشمس ، فلما أصبحوا حمل عليهم عسكر المسلمين من كل جانب ، وضربت الكوسات ، فلم يلتفت ملك
الهند إلى ذلك ، وقال : من يقدم علي ، أنا هذا ؟ والقتل قد كثر في
الهنود ، والنصر قد ظهر للمسلمين .
فلما رأى ملك
الهند ذلك أحضر فرسا له سابقا ، وركب ليهرب ، فقال له أعيان أصحابه : إنك حلفت لنا أنك لا تخلينا وتهرب ، فنزل عن الفرس وركب الفيل ووقف موضعه ، والقتال شديد والقتل قد كثر في أصحابه ، فانتهى المسلمون إليه وأخذوه أسيرا ، وحينئذ عظم القتل والأسر في
الهنود ، ولم ينج منهم إلا القليل .
وأحضر الهندي بين يدي
شهاب الدين ، فلم يخدمه ، فأخذ بعض الحجاب بلحيته ، وجذبه إلى الأرض ، حتى أصابها جبينه ، وأقعده بين يدي
شهاب الدين ، فقال
[ ص: 117 ] له
شهاب الدين : لو استأسرتني ما كنت تفعل بي ؟ فقال الكافر : كنت استعملت لك قيدا من ذهب أقيدك به . فقال
شهاب الدين : بل نحن ما نجعل لك من القدر ما نقيدك .
وغنم المسلمون من
الهنود أموالا كثيرة وأمتعة عظيمة ، وفي جملة ذلك أربعة عشر فيلا ، من جملتها الفيل الذي جرح
شهاب الدين في تلك الوقعة .
وقال ملك
الهند لشهاب الدين : إن كنت طالب بلاد ، فما بقي فيها من يحفظها ، وإن كنت طالب مال ، فعندي أموال تحمل أجمالك كلها .
فسار
شهاب الدين وهو معه إلى الحصن الذي له يعول عليه ، وهو
أجمير ، فأخذه ، وأخذ جميع البلاد التي تقاربه ، وأقطع جميع البلاد لمملوكه
قطب الدين أيبك ، وعاد إلى
غزنة ، وقتل ملك
الهند .