ذكر
ملك عماد الدين زنكي قلاع الهكارية والزوزان
قد ذكرنا عند وفاة
نور الدين سنة سبع وستمائة أنه أعطى ولده الأصغر
زنكي [ ص: 315 ] قلعتي العقر وشوش ، وهما بالقرب من
الموصل فكان تارة يكون
بالموصل ، وتارة بولايته ، متجنيا لكثرة تلونه ، وكان
بقلعة العمادية مستحفظ من مماليك جده
عز الدين مسعود بن مودود ، قيل إنه جرى له مع
زنكي مراسلات في معنى تسليم العمادية إليه ، فنمى الخبر بذلك إلى
بدر الدين ، فبادره بالعزل مع أمير كبير وجماعة من الجند لم يمكنه الامتناع ، وسلم القلعة إلى نائب
بدر الدين كذلك ، وجعل
بدر الدين في غير
العمادية من القلاع نوابا له .
وكان
نور الدين بن القاهر لا يزال مريضا من جروح كانت به ، وغيرها من الأمراض ، وكان يبقى المدة الطويلة لا يركب ، ولا يظهر للناس فأرسل
زنكي إلى من
بالعمادية من الجند يقول : إن ابن أخي توفي ، ويريد
بدر الدين أن يملك البلاد ، وأنا أحق بملك آبائي وأجدادي ، فلم يزل حتى استدعاه الجند منها ، وسلموا إليه ، ثامن عشر رمضان سنة خمس عشرة وستمائة ، وقبضوا على النائب البدري وعلى من معه .
فوصل الخبر إلى
بدر الدين ليلا فجد في الأمر ، ونادى في العسكر لوقته بالرحيل ، فساروا مجدين إلى
العمادية وبها
زنكي ليحصروه فيها ، فلم يطلع الصبح إلا وقد فرغ من تسيير العساكر ، فساروا إلى
العمادية وحصروها ، وكان الزمان شتاء ، والبرد شديد ، والثلج هناك كثير ، فلم يتمكنوا من قتال من بها ، لكنهم أقاموا يحصرونها ، وقام
nindex.php?page=showalam&ids=16140مظفر الدين كوكبري بن زين الدين ، صاحب
إربل ، في نصر
عماد الدين ، وتجرد لمساعدته ، فراسله
بدر الدين يذكره الأيمان والعهود التي من جملتها أنه لا يتعرض إلى شيء من أعمال
الموصل ، ومنها
قلاع الهكارية والزوزان بأسمائها ، ومتى تعرض إليها أحد من الناس ، من كان ، منعه بنفسه وعساكره ، وأعان
نور الدين وبدر الدين على منعه ، ويطالبه بالوفاء بها .
ثم نزل عن هذا ، ورضي منه بالسكوت لا لهم ولا عليهم ، فلم يفعل ، وأظهر معاضدة
عماد الدين زنكي ، فحينئذ لم يمكن مكاثرة
زنكي بالرجال والعساكر لقرب
[ ص: 316 ] هذا الخصم من
الموصل وأعمالها ، إلا أن العسكر البدري محاصر
للعمادية وبها
زنكي .
ثم إن بعض الأمراء من عسكر
الموصل ، ممن لا علم له بالحرب ، وكان شجاعا وهو جديد الإمارة أراد أن يظهر شجاعته ليزداد بها تقدما ، أشار على من هناك من العسكر بالتقدم إليها ، ومباشرتها بالقتال ، وكانوا قد تأخروا عنها شيئا يسيرا لشدة البرد والثلج ، فلم يوافقوه ، وقبحوا رأيه ، فتركهم ورحل متقدما إليهم ليلا ، فاضطروا إلى اتباعه خوفا عليه من أذى يصيبه ومن معه ، فساروا إليه على غير تعبئة لضيق المسلك ، ولأنه أعجلهم عن ذلك ، وحكم الثلج عليهم أيضا .
فسمع
زنكي ومن معه ، فنزلوا ، ولقوا أوائل الناس ،
وأهل مكة أخبر بشعابها ، فلم يثبتوا لهم ، وانهزموا وعادوا إلى منزلتهم ، ولم يقف العسكر عليهم ، فاضطروا إلى العود فلما عادوا راسل
زنكي باقي قلاع
الهكارية والزوزان ، واستدعاهم إلى طاعته ، فأجابوه ، وسلموا إليه ، فجعل فيها الولاة ، وتسلمها وحكم فيها .