ذكر
ملك التتر غزنة وبلاد الغور
لما فرغ
التتر من
خراسان وعادوا إلى ملكهم جهز جيشا كثيفا وسيره إلى
غزنة وبها
جلال الدين بن خوارزم شاه مالكا لها ، وقد اجتمع إليه من سلم من عسكر أبيه ، قيل : كانوا ستين ألفا ، فلما وصلوا إلى أعمال
غزنة خرج إليهم المسلمون مع ابن
خوارزم شاه إلى موضع يقال له بلق ، فالتقوا هناك واقتتلوا قتالا شديدا ، وبقوا كذلك ثلاثة أيام ثم أنزل الله نصره على المسلمين ، فانهزم
التتر وقتلهم المسلمون كيف شاءوا ، ومن سلم منهم عاد إلى ملكهم بالطالقان ، فلما سمع أهل
هراة بذلك ثاروا بالوالي الذي عندهم للتتر فقتلوه ، فسير إليهم
nindex.php?page=showalam&ids=15657جنكزخان عسكرا فملكوا البلد وخربوه كما ذكرناه .
فلما انهزم
التتر أرسل جلال الدين رسولا إلى
nindex.php?page=showalam&ids=15657جنكزخان يقول له : في أي موضع تريد أن يكون الحرب حتى نأتي إليه ؟ فجهز
nindex.php?page=showalam&ids=15657جنكزخان عسكرا كثيرا ، أكثر من الأول مع بعض أولاده ، وسيره إليه ، فوصل إلى
كابل ، فتوجه العسكر الإسلامي إليهم ، وتصافوا هناك ، وجرى بينهم قتال عظيم ، فانهزم الكفار ثانيا ، فقتل كثير منهم ، وغنم المسلمون ما معهم ، وكان عظيما ، وكان معهم من أسارى المسلمين خلق كثير ، فاستنقذوهم وخلصوهم . ثم إن المسلمين جرى بينهم فتنة لأجل الغنيمة ، وسبب ذلك أن أميرا منهم يقال له
سيف الدين بغراق ، أصله من
الأتراك الخلج ، كان شجاعا مقداما ، ذا رأي في الحرب ومكيدة ، واصطلى الحرب مع
التتر بنفسه ، وقال لعسكر
جلال الدين : تأخروا أنتم فقد ملئتم منهم رعبا وهو الذي كسر
التتر على الحقيقة .
وكان من المسلمين أيضا أمير كبير يقال له
ملك خان ، بينه وبين
خوارزم شاه نسب ، وهو صاحب
هراة ، فاختلف هذان الأميران في الغنيمة ، فاقتتلوا ، فقتل بينهم أخ
لبغراق . فقال
بغراق : أنا أهزم الكفار ويقتل أخي لأجل هذا السحت ، فغضب وفارق العسكر وسار إلى
الهند ، فتبعه من العسكر ثلاثون ألفا كلهم يريدونه ، فاستعطفه
جلال الدين بكل طريق ، وسار بنفسه إليه ، وذكره الجهاد ، وخوفه من الله تعالى ، وبكى
[ ص: 363 ] بين يديه ، فلم يرجع ، وسار مفارقا ، فانكسر لذلك المسلمون وضعفوا .
فبينما هم كذلك إذ ورد الخبر أن
nindex.php?page=showalam&ids=15657جنكزخان قد وصل في جموعه وجيوشه ، فلما رأى
جلال الدين ضعف المسلمين لأجل من فارقهم من العسكر ، ولم يقدر على المقام ، سار نحو بلاد
الهند ، فوصل إلى
ماء السند ، وهو نهر كبير ، فلم يجد من السفن ما يعبر فيه .
وكان
nindex.php?page=showalam&ids=15657جنكزخان يقص أثره مسرعا ، فلم يتمكن
جلال الدين من العبور ، حتى أدركه
nindex.php?page=showalam&ids=15657جنكزخان في
التتر ، فاضطر المسلمون حينئذ إلى القتال والصبر لتعذر العبور عليهم ، وكانوا في ذلك كالأشقر إن تأخر يقتل وإن تقدم يعقر ، فتصافوا واقتتلوا أشد قتال ، اعترفوا كلهم أن كل ما مضى من الحروب كان لعبا بالنسبة إلى هذا القتال ، فبقوا كذلك ثلاثة أيام ، فقتل الأمير
ملك خان المقدم ذكره وخلق كثير ، وكان القتل في الكفار أكثر ، والجراح أعظم ، فرجع الكفار عنهم ، فأبعدوا ، ونزلوا على بعد ، فلما رأى المسلمون أنهم لا مدد لهم ، وقد ازدادوا ضعفا بمن قتل منهم وجرح ، ولم يعلموا بما أصاب الكفار من ذلك ، أرسلوا يطلبون السفن ، فوصلت ، وعبر المسلمون ليقضي الله أمرا كان مفعولا .
فلما كان الغد عاد الكفار إلى
غزنة ، وقد قويت نفوسهم بعبور المسلمين الماء إلى جهة
الهند وبعدهم ، فلما وصلوا إليها ملكوها لوقتها لخلوها من العساكر والمحامي ، فقتلوا أهلها ، ونهبوا الأموال ، وسبوا الحريم ، ولم يبق أحد ، وخربوها وأحرقوها ، وفعلوا بسوادها كذلك ، ونهبوا وقتلوا وأحرقوا ، فأصبحت تلك الأعمال جميعها خالية من الأنيس ، خاوية على عروشها كأن لم تغن بالأمس