[ ص: 477 ] ( 30 )
ثم دخلت سنة ثلاثين
ذكر عزل
الوليد عن
الكوفة وولاية
سعيد
في هذه السنة
عزل عثمان nindex.php?page=showalam&ids=292الوليد بن عقبة عن الكوفة وولاها
nindex.php?page=showalam&ids=74سعيد بن العاص ، وقد تقدم سبب ولاية
الوليد على
الكوفة في السنة الثانية من خلافة
عثمان ، وأنه كان محبوبا إلى الناس ، فبقي كذلك خمس سنين وليس لداره باب ، ثم إن شبابا من
أهل الكوفة نقبوا على
ابن الحيسمان الخزاعي وكاثروه ، فنذر بهم وخرج عليهم بالسيف وصرخ ، فأشرف عليهم
أبو شريح الخزاعي ، وكان قد انتقل من
المدينة إلى
الكوفة للقرب من الجهاد ، فصاح بهم
أبو شريح ، فلم يلتفتوا وقتلوا
ابن الحيسمان ، وأخذهم الناس وفيهم
زهير بن جندب الأزدي ومورع بن أبي مورع الأسدي ،
وشبيل بن أبي الأزدي وغيرهم ، فشهد عليهم
أبو شريح وابنه ، فكتب فيهم
الوليد إلى
عثمان ، فكتب
عثمان بقتلهم ، فقتلهم على باب القصر ، ولهذا السبب أخذ في القسامة بقول ولي المقتول عن ملإ من الناس ليفطم الناس عن القتل .
وكان
أبو زبيد الشاعر في الجاهلية والإسلام في
بني تغلب ، وكانوا أخواله ، فظلموه دينا له ، فأخذ له
الوليد حقه إذ كان عاملا عليهم ، فشكر
أبو زبيد ذلك له ، وانقطع إليه وغشيه
بالمدينة والكوفة ، وكان
نصرانيا ، فأسلم عند
الوليد وحسن إسلامه ، فبينما هو عنده أتى آت
أبا زينب وأبا مورع وجندبا ، وكانوا يحفرون
للوليد منذ قتل أبناءهم ويضعون له العيون ، فقال لهم : إن
الوليد وأبا زبيد يشربان الخمر ، فثاروا وأخذوا معهم نفرا من
أهل الكوفة ، فاقتحموا عليه فلم يروا ، فأقبلوا يتلاومون وسبهم الناس ، وكتم
الوليد ذلك عن
عثمان .
وجاء
جندب ورهط معه إلى
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود فقالوا له : إن
الوليد يعتكف على الخمر ،
[ ص: 478 ] وأذاعوا ذلك . فقال
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : من استتر عنا لم نتبع عورته . فعاتبه
الوليد على قوله حتى تغاضبا . ثم أتي
الوليد بساحر ، فأرسل إلى
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود يسأله عن حده ، واعترف الساحر عند
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، وكان يخيل إلى الناس أنه يدخل في دبر الحمار ويخرج من فيه ، فأمره
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود بقتله . فلما أراد
الوليد قتله أقبل الناس ومعهم
جندب فضرب الساحر فقتله ، فحبسه
الوليد وكتب إلى
عثمان فيه ، وأمره بإطلاقه وتأديبه ، فغضب
لجندب أصحابه ، وخرجوا إلى
عثمان يستعفون من
الوليد ، فردهم خائبين . فلما رجعوا أتاهم كل موتور فاجتمعوا معهم على رأيهم ، ودخل
أبو زينب وأبو مورع وغيرهما على
الوليد فتحدثوا عنده ، فنام فأخذا خاتمه وسارا إلى
المدينة ، واستيقظ
الوليد فلم ير خاتمه ، فسأل نساءه عن ذلك ، فأخبرنه أن آخر من بقي عنده رجلان صفتهما كذا وكذا . فاتهمهما وقال : هما
أبو زينب وأبو مورع ، وأرسل يطلبهما ، فلم يوجدا .
فقدما على
عثمان ومعهما غيرهما ، وأخبراه أنه شرب الخمر ، فأرسل إلى
الوليد ، فقدم
المدينة ، ودعا بهما
عثمان فقال : أتشهدان أنكما رأيتماه يشرب ؟ فقالا : لا . قال : فكيف ؟ قالا : اعتصرناها من لحيته وهو يقيء الخمر . فأمر
nindex.php?page=showalam&ids=74سعيد بن العاص فجلده ، فأورث ذلك عداوة بين أهليهما ، فكان على
الوليد خميصة فأمر
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب بنزعها لما جلد .
هكذا في هذه الرواية ، والصحيح أن الذي جلده
nindex.php?page=showalam&ids=166عبد الله بن جعفر بن أبي طالب لأن
عليا أمر ابنه
الحسن أن يجلده ، فقال
الحسن : ول حارها من تولى قارها ! فأمر
عبد الله بن جعفر فجلده أربعين . فقال
علي : أمسك ، جلد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،
وأبو بكر أربعين وجلد
عثمان ثمانين وكل سنة وهذا أحب إلي .
وقيل : إن
الوليد سكر وصلى الصبح
بأهل الكوفة أربعا ثم التفت إليهم وقال : أزيدكم ؟ فقال له
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : ما زلنا معك في زيادة منذ اليوم ، وشهدوا عليه عند
عثمان ، فأمر
عليا بجلده ، فأمر
علي عبد الله بن جعفر فجلده ، وقال
الحطيئة :
شهد
الحطيئة يوم يلقى ربه أن
الوليد أحق بالعذر
نادى وقد تمت صلاتهم : أأزيدكم ؟ سكرا وما يدري
فأبوا
أبا وهب ولو أذنوا لقرنت بين الشفع والوتر
كفوا عنانك إذ جريت ولو تركوا عنانك لم تزل تجري
[ ص: 479 ] فلما علم
عثمان من
الوليد شرب الخمر عزله ، وولى
nindex.php?page=showalam&ids=74سعيد بن العاص بن أمية ، وكان
سعيد قد ربي في حجر
عمر ، فلما فتح
الشام قدمه ، فأقام مع
معاوية ، فذكر
عمر يوما
قريشا ، فسأل عنه ، فأخبر أنه
بالشام ، فاستقدمه ، فقدم عليه ، فقال له : قد بلغني عنك بلاء وصلاح فازدد يزدك الله خيرا . وقال له : هل لك من زوجة ؟ قال : لا . وجاء
عمر بنات
سفيان بن عويف ومعهن أمهن ، فقالت أمهن : هلك رجالنا وإذا هلك الرجال ضاع النساء ، فضعهن في أكفائهن . فزوج
سعيدا إحداهن ، وزوج
nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف أخرى . وأتاه بنات
مسعود بن نعيم النهشلي فقلن له : قد هلك رجالنا وبقي الصبيان ، فضعنا في أكفائنا ، فزوج
سعيدا إحداهن ،
nindex.php?page=showalam&ids=67وجبير بن مطعم الأخرى . وكان عمومته ذوي بلاء في الإسلام وسابقة ، فلم يمت
عمر حتى كان
سعيد من رجال
قريش . فلما استعمله
عثمان سار حتى أتى
الكوفة أميرا ، ورجع معه
الأشتر ،
وأبو خشة الغفاري nindex.php?page=showalam&ids=401وجندب بن عبد الله ،
وجثامة بن صعب بن جثامة ، وكانوا ممن شخص مع
الوليد يعينونه فصاروا عليه ، فقال بعض شعراء الكوفة :
فررت من الوليد إلى سعيد كأهل الحجر إذ جزعوا فباروا يلينا من قريش كل عام
أمير محدث أو مستشار لنا نار نخوفها فنخشى
وليس لهم ، فلا يخشون ، نار
فلما وصل
سعيد الكوفة صعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : والله لقد بعثت إليكم وإني لكاره ، ولكني لم أجد بدا إذا أمرت أن أتمر ، ألا إن الفتنة قد أطلعت خطمها وعينيها ، ووالله لأضربن وجهها حتى أقمعها أو تعييني ، وإني لرائد نفسي اليوم .
ثم نزل وسأل عن
أهل الكوفة فعرف حال أهلها ، فكتب إلى
عثمان أن
أهل الكوفة قد اضطرب أمرهم ، وغلب أهل الشرف منهم والبيوتات والسابقة ، والغالب على تلك البلاد روادف قدمت ، وأعراب لحقت ، حتى لا ينظر إلى ذي شرف وبلاء من نابتتها ولا نازلتها .
[ ص: 480 ] فكتب إليه
عثمان : أما بعد ففضل أهل السابقة والقدمة ومن فتح الله عليه تلك البلاد ، وليكن من نزلها من غيرهم تبعا لهم ، إلا أن يكونوا تثاقلوا عن الحق وتركوا القيام به وقام به هؤلاء ، واحفظ لكل منزلته ، وأعطهم جميعا بقسطهم من الحق ، فإن المعرفة بالناس بها يصاب العدل .
فأرسل
سعيد إلى
أهل الأيام والقادسية فقال : أنتم وجوه الناس ، والوجه ينبئ عن الجسد ، فأبلغونا حاجة ذي الحاجة . وأدخل معهم من يحتمل من اللواحق والروادف . وجعل القراء في سمره ، ففشت القالة في
أهل الكوفة ، فكتب
سعيد إلى
عثمان بذلك ، فجمع الناس وأخبرهم بما كتب إليه . فقالوا له : أصبت ، لا تطعهم فيما ليسوا له بأهل ، فإنه إذا نهض في الأمور من ليس بأهل لها لم يحتملها وأفسدها . فقال
عثمان : يا
أهل المدينة استعدوا واستمسكوا فقد دبت إليكم الفتن ، وإني والله لأتخلصن لكم الذي لكم حتى أنقله إليكم إن رأيتم ، حتى يأتي من شهد مع
أهل العراق سهمه ، فيقيم معه في بلاده . فقالوا : كيف تنقل إلينا سهمنا من الأرضين ؟ فقال : يبيعها من شاء بما كان له
بالحجاز واليمن وغيرهما من البلاد . ففرحوا وفتح الله لهم أمرا لم يكن في حسابهم ، وفعلوا ذلك واشتراه رجال من كل قبيلة ، وجاز لهم عن تراض منهم ومن الناس وإقرار بالحقوق .