ذكر
وفاة سليمان
لما أراد الله إلى
سليمان الملك لبث فيه مطاعا ، والجن تعمل له
ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات وغير ذلك ويعذب من الشياطين من شاء ويطلب من شاء ، حتى إذا دنا أجله وكان عادته إذا صلى كل يوم رأى شجرة نابتة بين يديه ، فيقول : ما اسمك ؟ فتقول : كذا . فيقول : لأي شيء أنت ؟ فإن كانت لغرس غرست وإن كانت لدواء كتبت ، فبينما هو يصلي ذات يوم إذ رأى شجرة بين يديه فقال لها : ما اسمك ؟ فقالت : الخرنوبة . فقال لها : لأي شيء أنت ؟ قالت : لخراب هذا البيت - يعني
بيت المقدس - فقال
سليمان : ما كان الله ليخربه وأنا حي ، أنت التي على وجهك هلاكي وخراب البيت ! وقلعها ، ثم قال : اللهم عم على الجن موتي حتى يعلم الناس أن الجن لا يعلمون الغيب .
وكان
سليمان يتجرد للعبادة في
بيت المقدس السنة والسنتين والشهر والشهرين ، وأقل وأكثر ، يدخل معه طعامه وشرابه ، فأدخله في المرة التي توفي فيها ، فبينما هو قائم يصلي متوكئا على عصاه أدركه أجله فمات ، ولا تعلم به الشياطين ولا الجن ، وهم في ذلك يعملون خوفا منه ، فأكلت الأرضة عصاه فانكسرت فسقط ، فعلموا أنه مات ، وعلم الناس أن الجن لا يعلمون الغيب ولو علموا الغيب ما لبثوا في العذاب المهين
[ ص: 211 ] ومقاساة الأعمال الشاقة .
ولما سقط أراد
بنو إسرائيل أن يعلموا مذ كم مات ، فوضعوا الأرضة على العصا يوما وليلة فأكلت منها ، فحسبوا بنسبته فكان أكل تلك العصا في سنة ، ثم إن الشياطين قالوا للأرضة : لو كنت تأكلين الطعام لأتيناك بأطيب الطعام ، ولو كنت تشربين الشراب لأتيناك بأطيب الشراب ، ولكنا سننقل لك الماء والطين ، فهم ينقلون إليها ذلك حيث كانت . ألم تر إلى الطين يكون في وسط الخشبة ؟ فهو ما ينقلونه لها !
قيل : إن الجن والشياطين شكوا ما يلحقهم من التعب ، والنصب إلى بعض أولي التجربة منهم ، وقيل : كان إبليس ، فقال لهم : ألستم تنصرفون بأحمال وتعودون بغير أحمال ؟ قالوا : بلى . قال : فلكم في كل ذلك راحة ، فحملت الريح الكلام ، فألقته في أذن
سليمان ، فأمر الموكلين بهم أنهم إذا جاءوا بالأحمال ، والآلات التي يبنى بها إلى موضع البناء ، والعمل يحملهم من هناك في عودهم ما يلقونه من المواضع التي فيها الأعمال ليكون أشق عليهم وأسرع في العمل ، فاجتازوا بذلك الذي شكوا إليه حالهم فأعلموه حالهم فقال لهم : انتظروا الفرج فإن الأمور إذا تناهت تغيرت ، فلم تطل مدة
سليمان بعد ذلك حتى مات ، وكان مدة عمره ثلاثا وخمسين سنة ، وملكه أربعين سنة .