[ ص: 35 ] 92
ثم دخلت سنة اثنتين وتسعين
في هذه السنة غزا
nindex.php?page=showalam&ids=17088مسلمة بن عبد الملك أرض الروم ، ففتح حصونا ثلاثة ، وجلا
أهل سوسنة إلى
بلاد الروم .
ذكر
فتح الأندلس
وفيها غزا
nindex.php?page=showalam&ids=16242طارق بن زياد مولى
nindex.php?page=showalam&ids=17181موسى بن نصير الأندلس في اثني عشر ألفا ، فلقي ملك
الأندلس ، واسمه
أذرينوق ، وكان من
أهل أصبهان ، وهم ملوك عجم
الأندلس ، فزحف له
طارق بجميع من معه ، وزحف
الأذرينوق وعليه تاجه وجميع الحلية التي كان يلبسها الملوك ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، فقتل
الأذرينوق ، وفتح
الأندلس سنة اثنتين وتسعين .
هذا جميعه ذكره
أبو جعفر في فتح
الأندلس ، وبمثل ذلك الإقليم العظيم والفتح المبين لا يقتصر فيه على هذا القدر ، وأنا أذكر فتحها على وجه أتم من هذا إن شاء الله تعالى ، من تصانيف أهلها ، إذ هم أعلم ببلادهم .
قالوا : أول من سكنها قوم يعرفون
بالأندلش ، بشين معجمة ، فسمي البلد بهم ، ثم عرب بعد ذلك بسين مهملة ،
والنصارى يسمون
الأندلس أشبانية ، باسم رجل صلب فيها يقال له :
أشبانس ، وقيل : باسم ملك كان بها في الزمان الأول اسمه
إشبان بن طيطس ، وهذا هو اسمها عند
بطليموس . وقيل : سميت
بأندلس بن يافث بن نوح وهو أول من عمرها .
قيل :
أول من سكن الأندلس بعد الطوفان قوم يعرفون بالأندلس ، فعمروها وتداولوا ملكها دهرا طويلا ، وكانوا
مجوسا ، ثم حبس الله عنهم المطر ، وتوالى عليهم القحط ،
[ ص: 36 ] فهلك أكثرهم ، وفر منها من أطاق الفرار ، فخلت
الأندلس مائة سنة ، ثم ابتعث الله لعمارتها الأفارقة ، فدخل إليها قوم منهم أجلاهم ملك
إفريقية تخففا منهم لقحط توالى على بلاده حتى كاد يفني أهلها ، فحملهم في السفن مع أمير من عنده فأرسوا
بجزيرة قادس ، ورأوا
الأندلس قد أخصبت بلادها ، وجرت أنهارها ، فسكنوها ، وعمروها ، ونصبوا لهم ملوكا يضبطون أمرهم ، وهم على دين من قبلهم ، وكانت دار مملكتهم طالقة الخراب من
أرض إشبيلية بنوها وسكنوها ، وأقاموا مدة تزيد على مائة وخمسين سنة ، ملك منهم فيها أحد عشر ملكا .
ثم أرسل الله عليهم عجم رومة ، وملكهم
إشبان بن طيطس ، فغزاهم ومزقهم وقتل فيهم ، وحاصرهم بطالقة وقد تحصنوا فيها فابتنى عليهم
إشبانية ، وهي
إشبيلية ، واتخذها دار مملكته ، وكثرت جموعه وعتا وتجبر ، وغزا
بيت المقدس فغنم ما فيه وقتل فيه مائة ألف ، ونقل المرمر منه إلى
إشبيلية وغيرها ، وغنم أيضا مائدة
سليمانبن داود ، عليه السلام ، وهي التي غنمها
طارق من
طليطلة لما افتتحها ، وغنم أيضا قليلة الذهب والحجر الذي لقي بماردة .
وكان هذا
إشبان قد وقف عليه
الخضر وهو يحرث الأرض فقال له : يا
إشبان سوف تحظى وتملك وتعلو ، فإذا ملكت
إيلياء فارفق بذرية الأنبياء . فقال : أتسخر مني ؟ كيف ينال مثلي الملك ؟ فقال : قد جعله فيك من جعل عصاك هذه كما ترى . فنظر فإذا هي قد أورقت ، فارتاع وذهب عنه الخضر ، وقد وثق
إشبان بقوله ، فداخل الناس ، فارتقى حتى ملك ملكا عظيما ، وكان ملكه عشرين سنة ، ودام ملك الإشبانيين بعده إلى أن ملك منهم خمسة وخمسون ملكا .
ثم دخل عليهم من عجم رومة أمة يدعون البشنوليات ، وملكهم
طويش بن نيطه ، وذلك حين بعث الله المسيح ، فغلبوا عليها ، واستولوا على ملكها ، وكانت
مدينة ماردة دار مملكتهم ، وملك منهم سبعة وعشرون ملكا .
ثم دخلت عليهم
أمة القوط مع ملك لهم ، فغلبوا على
الأندلس فاقتطعوها من يومئذ
[ ص: 37 ] عن صاحب
رومة ، وكان ابتداء ظهورهم من ناحية
إيطالية شرق
الأندلس ، فأغارت على بلاد
مجدونية من تلك الناحية ، وذلك في أيام
قليوذيوس قيصر ، ثالث القياصرة ، فخرج إليهم وهزمهم وقتل فيهم ، ولم يظهروا بعدها إلى أيام
قسطنطين الأكبر وأعادوا الغارة ، فسير إليهم جيشا فلم يثبتوا له ، وانقطع خبرهم إلى ثلث دولة قيصر ، فإنهم قدموا على أنفسهم أميرا اسمه
لذريق ، وكان يعبد الأوثان ، فسار إلى
رومة ليحمل
النصارى على السجود لأوثانه ، فظهر منه سوء سيرته ، فتخاذل أصحابه عنه ومالوا إلى أخيه وحاربوه ، فاستعان بصاحب
رومة فبعث إليه جيشا ، فهزم أخاه ، ودان بدين
النصارى ، وكانت ولايته ثلاث عشرة سنة ، ثم ولي بعده
إقريط ، وبعده
إملريق ، وبعده
وغديش ، وكانوا قد عادوا إلى عبادة الأوثان ، فجمع من أصحابه مائة ألف وسار إلى
رومة ، فسير إليه ملك
الروم جيشا ، فهزموه وقتلوه .
ثم بعده
الريق ، وكان زنديقا شجاعا ، فسار ليأخذ بثأر
وغديش ومن قتل معه ، ونازل
رومية وحاصرها ، وضيق على أهلها ، ودخلها عنوة وغنم أموالهم ، ثم جمع أسطول البحر وسار إلى
صقلية ليفتحها ويغنم ما فيها ، فغرق أكثر أصحابه في البحر ، وهو فيمن غرق .
ثم ملك بعده
أطلوف ست سنين ، وخرج عن بلد
إيطالية ، وأقام ببلد
غاليس مجاورا أقصى
الأندلس ، ثم انتقل منها إلى
برشلونة .
ثم بعده أخوه ثلاث سنين ، ثم بعده واليا ، ثم
بوردزاريش ثلاثا وثلاثين سنة ، ثم ابنه
طرشمند ، ثم بعده أخوه
لذريق ثلاث عشرة سنة ، ثم بعده
أوريق سبع عشرة سنة ، ثم بعده
الريق بطلوشة ثلاثا وعشرين سنة ، ثم
عشليق ، ثم
أمليق سنتين ، ثم
توذيوش [ ص: 38 ] سبع عشرة سنة وخمسة أشهر ، ثم بعده
طودتقليس سنة وثلاثة أشهر ، ثم بعده أثلة خمس سنين ، ثم بعده
أطلنجه خمس عشرة سنة ، ثم بعده
ليوبا ثلاث سنين ، ثم بعده أخوه
لويلد ، وهو أول من اتخذ
طليطلة دار ملك ، ونزلها ليكون متوسطا لملكه ليحارب من خرج عن طاعته عن قريب ، فلم يزل يحارب من خرج عن طاعته حتى احتوى على جميع
الأندلس ، وبنى مدينة
رقوبل وأتقنها وأكثر بساتينها ، وهو على القرب من
طليطلة ، وسماها باسم ولده ، وغزا بلاد
البشقنس حتى أذلهم ، وخطب إلى ملك الفرنج ابنته لولده
أرمنجلد ، فزوجه وأسكنه
إشبيلية ، فحسنت له عصيان والده ، ففعل ، فسار إليه أبوه وحصرهما وضيق عليه ، وطال مقامه إلى أن أخذه عنوة ، وسجنه إلى أن مات .
ثم ملك بعد
لويلد ابنه
ركرد ، وكان حسن السيرة ، فجمع الأساقفة وغير سيرة أبيه وسلم البلاد إليهم ، وكانوا نحو ثمانين أسقفا ، وكان تقيا عفيفا قد لبس ثياب الرهبان ، وهو الذي بنى الكنيسة المعروفة بالوزقة بإزاء مدينة
وادي آش . ثم بعده ابنه
ليوبا فسار كسيرة أبيه ، فاغتاله رجل من
القوط يقال له
بتريق ، فقتله ، وملك بعده
بتريق هذا بغير رضا
أهل الأندلس ، وكان مجرما طاغيا فاسقا ، فثار عليه رجل من خاصته فقتله .
( ثم ملك من بعده
غندمار سنتين ) ، ثم ملك بعده
سيسيفوط ، وكانت ولايته تسع سنين ، وكان حسن السيرة ، ثم بعده ابنه
ركريد ، وكان صغيرا عمره ثلاثة أشهر ، ومات ، ثم ملك
شنتله ، وكان ملكه عند البعث ، وكان مشكورا ، ثم بعده
سشنند خمس سنين ، ثم بعده
خنتلة ستة أعوام ، ثم بعده (
خندس أربعة أعوام ، ثم
[ ص: 39 ] بعده
بنبان ثمانية أعوام ، ثم بعده ) أروى سبع سنين .
وكان في دولته قحط شديد حتى كادت بلاد
الأندلس تخرب لشدة الجوع .
ثم بعده
أبقة خمس عشرة سنة ، وكان جائرا مذموما ، ثم ملك بعده ابنه
غيطشة ، وكانت ولايته سنة سبع وسبعين للهجرة ، وكان حسن السيرة لين العريكة وأطلق كل محبوس كان في سجن أبيه ، وأدى الأموال إلى أربابها .
ثم توفي وخلف ولدين ، فلم يرض بهما
أهل الأندلس ، وتراضوا برجل يقال له
رذريق ، وكان شجاعا وليس من بيت الملك ، وكانت عادة ملوك
الأندلس أنهم يبعثون أولادهم الذكور والإناث إلى مدينة
طليطلة يكونون في خدمة الملك ، لا يخدمه غيرهم يتأدبون بذلك ، فإذا بلغوا الحلم أنكح بعضهم بعضا وتولى تجهيزهم ، فلما ولي
رذريق أرسل إليه
يوليان ، وهو صاحب الجزيرة الخضراء وسبتة وغيرهما ، ابنة له ، فاستحسنها
رذريق وافتضها ، فكتبت إلى أبيها ، فأغضبه ذلك ، فكتب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=17181موسى بن نصير عامل
nindex.php?page=showalam&ids=15490الوليد بن عبد الملك على
إفريقية بالطاعة ، واستدعاه إليه ، فسار إليه فأدخله
يوليان مدائنه ، وأخذ عليه العهود له ولأصحابه بما يرضى به ، ثم وصف له
الأندلس ودعاه إليها ، وذلك آخر سنة تسعين .
فكتب
موسى إلى
الوليد بما فتح الله عليه وما دعاه إليه
يوليان . فكتب إليه
الوليد : خضها بالسرايا ، ولا تغرر بالمسلمين في بحر شديد الأهوال . فكتب إليه
موسى : إنه ليس ببحر متسع ، وإنما هو خليج يبين ما وراءه . فكتب إليه
الوليد أن اختبرها بالسرايا ، وإن كان الأمر على ما حكيت .
فبعث رجلا من مواليه يقال له
طريف في أربعمائة رجل ومعهم مائة فرس ، فسار في أربع سفائن ، فخرج في جزيرة
بالأندلس ، فسميت
جزيرة طريف لنزوله فيها ، ثم أغار على الجزيرة الخضراء ، فأصاب غنيمة كثيرة ، ورجع سالما في رمضان سنة إحدى وتسعين . فلما رأى الناس ذلك تسرعوا إلى الغزو .
ثم إن
موسى دعا مولى له كان على مقدمات جيوشه يقال له
nindex.php?page=showalam&ids=16242طارق بن زياد ، فبعثه في سبعة آلاف من المسلمين أكثرهم البربر والموالي وأقلهم العرب ، فساروا في البحر ، وقصد إلى جبل منيف ، وهو متصل بالبر فنزله ، فسمي الجبل جبل
طارق إلى اليوم ، ولما ملك
عبد المؤمن البلاد أمر ببناء مدينة على هذا الجبل وسماه جبل الفتح ، فلم يثبت له هذا الاسم وجرت الألسنة على الأول .
[ ص: 40 ] وكان حلول
طارق فيه في رجب سنة اثنتين وتسعين من الهجرة . ولما ركب
طارق البحر غلبته عينه ، فرأى النبي ومعه
المهاجرون والأنصار قد تقلدوا السيوف وتنكبوا القسي ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : يا
طارق تقدم لشأنك . وأمره بالرفق بالمسلمين والوفاء بالعهد ، فنظر
طارق فرأى النبي صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه قد دخلوا
الأندلس أمامه ، فاستيقظ من نومه مستبشرا ، وبشر أصحابه ، وقويت نفسه ، ولم يشك في الظفر .
فلما تكامل أصحاب
طارق بالجبل نزل إلى الصحراء ، وفتح
الجزيرة الخضراء ، فأصاب بها عجوزا ، فقالت له : إني كان لي زوج ، وكان عالما بالحوادث ، وكان يحدثهم عن أمير يدخل بلدهم فيغلب عليه ، ووصف من نعته أنه ضخم الهامة ، وأن في كتفه اليسرى شامة عليها شعر ، فكشف
طارق ثوبه ، فإذا
الشامة كما ذكرت ، فاستبشر
طارق أيضا هو ومن معه . ونزل من الجبل إلى الصحراء ، وافتتح
الجزيرة الخضراء وغيرها ، وفارق الحصن الذي في الجبل .
ولما بلغ
رذريق غزو
طارق بلاده عظم ذلك عليه ، وكان غائبا في غزاته ، فرجع منها
وطارق قد دخل بلاده ، فجمع له جمعا يقال بلغ مائة ألف ، فلما بلغ
طارقا الخبر كتب إلى
موسى يستمده ويخبره بما فتح ، وأنه زحف إليه ملك
الأندلس بما لا طاقة له به . فبعث إليه بخمسة آلاف ، فتكامل المسلمون اثني عشر ألفا ، ومعهم
يوليان يدلهم على عورة البلاد ، ويتجسس لهم الأخبار . فأتاهم
رذريق في جنده ، فالتقوا على نهر لكة من أعمال
شذونة لليلتين بقيتا من رمضان سنة اثنتين وتسعين ، واتصلت الحرب ثمانية أيام ، وكان على ميمنته وميسرته ولدا الملك الذي كان قبله وغيرهما من أبناء الملوك ، واتفقوا على الهزيمة بغضا
لرذريق ، وقالوا : إن المسلمين إذا امتلأت أيديهم من الغنيمة عادوا إلى بلادهم وبقي الملك لنا . فانهزموا وهزم الله
رذريق ومن معه ، وغرق
رذريق في النهر ، وسار
طارق إلى
مدينة إستجة متبعا لهم ، فلقيه أهلها ومعهم من المنهزمين خلق كثير ، فقاتلوه قتالا شديدا ، ثم انهزم
أهل الأندلس ، ولم يلق المسلمون بعدها حربا مثلها . ونزل
طارق على عين بينها وبين
مدينة إستجة أربعة أميال ، فسميت
عين طارق إلى الآن .
[ ص: 41 ] ولما سمعت
القوط بهاتين الهزيمتين قذف الله في قلوبهم الرعب ، وكانوا يظنون أنه يفعل فعل
طريف ، فهربوا إلى
طليطلة ، وكان قد أوهمهم أنه يأكلهم هو ومن معه . فلما دخلوا
طليطلة ، وأخلوا مدائن
الأندلس قال له
يوليان : قد فرغت من
الأندلس ، ففرق جيوشك وسر أنت إلى
طليطلة . ففرق جيوشه من
مدينة إستجة ، وبعث جيشا إلى
قرطبة ، وجيشا إلى
غرناطة ، وجيشا إلى
مالقة ، وجيشا إلى
تدمير ، وسار هو ومعظم الجيش إلى
جيان يريد
طليطلة . فلما بلغ
طليطلة وجدها خالية ، وقد لحق من كان بها بمدينة خلف الجبل يقال لها :
ماية .
فأما الجيش الذي سار إلى
قرطبة فإنهم دلهم راع على ثغرة في سورها ، فدخلوا منها البلد وملكوه .
وأما الذين قصدوا
تدمير فلقيهم صاحبها ، واسمه
تدمير وبه سميت ، وكان اسمها
أرويولة ، وكان معه جيش كثيف ، فقاتلهم قتالا شديدا ، ثم انهزم فقتل من أصحابه خلق كثير ، فأمر
تدمير النساء ، فلبسن السلاح ، ثم صالح المسلمين عليها ، وفتح سائر الجيوش ما قصدوا إليه من البلاد .
وأما
طارق ، فلما رأى
طليطلة فارغة ضم إليها
اليهود ، وترك معهم رجالا من أصحابه ، وسار هو إلى وادي الحجارة ، فقطع الجبل من فج فيه ، فسمي
بفج طارق إلى اليوم . وانتهى إلى مدينة خلف الجبل تسمى
مدينة المائدة ، وفيها وجد مائدة
سليمان بن داود ، عليه السلام ، وهي من زبرجد خضر ، حافاتها وأرجلها منها مكللة باللؤلؤ والمرجان والياقوت وغير ذلك ، وكان لها ثلاثمائة وستون رجلا . ثم مضى إلى
مدينة ماية ، فغنم منها ورجع إلى
طليطلة في سنة ثلاث وتسعين .
وقيل : اقتحم
أرض جليقية ، فخرقها حتى انتهى إلى
مدينة إسترقة ، وانصرف إلى
طليطلة ، ووافته جيوشه التي وجهها من
إستجة بعد فراغهم من فتح تلك المدن التي سيرهم إليها .
ودخل
nindex.php?page=showalam&ids=17181موسى بن نصير الأندلس في رمضان سنة ثلاث وتسعين في جمع كثير ، وكان قد بلغه ما صنع
طارق فحسده ، فلما عبر إلى
الأندلس ونزل
الجزيرة الخضراء قيل له : تسلك طريق
طارق ، فأبى ، فقال له الأدلاء : نحن ندلك على طريق أشرف من طريقه ومدائن لم تفتح بعد ، ووعده
يوليان بفتح عظيم ، فسر بذلك ، وكان قد غمه .
[ ص: 42 ] فساروا به إلى
مدينة ابن السليم فافتتحها عنوة ، ثم سار إلى
مدينة قرمونة ، وهي أحصن مدن
الأندلس ، فقدم إليها
يوليان وخاصته ، فأتوهم على حال المنهزمين معهم السلاح ، فأدخلوهم مدينتهم ، فأرسل
موسى إليهم الخيل ، ففتحوها لهم ليلا ، فدخلها المسلمون وملكوها ، ثم سار
موسى إلى
إشبيلية ، وهي من أعظم مدائن
الأندلس بنيانا وأعزها آثارا ، فحصرها أشهرا ، وفتحها وهرب من بها ، فأنزلها
موسى اليهود ، وسار إلى
مدينة ماردة فحصرها ، وقد كان أهلها خرجوا إليه فقاتلوه قتالا شديدا ، فكمن لهم
موسى ليلا في مقاطع الصخر ، فلم يرهم الكفار ، فلما أصبحوا زحف إليهم ، فخرجوا إلى المسلمين على عادتهم ، فخرجوا عليهم من الكمين وأحدقوا بهم ، وحالوا بينهم وبين البلد ، وقتلوهم قتلا ذريعا ، ونجا من نجا منهم ، فدخل المدينة ، وكانت حصينة ، فحصرهم بها أشهرا ، وقاتلهم ، وزحف إليهم بدبابة عملها ونقبوا سورها ، فخرج أهلها على المسلمين ، فقتلوهم عند البرج ، فسمي برج الشهداء إلى اليوم ، ثم افتتحها آخر رمضان سنة أربع وتسعين يوم الفطر صلحا على أن جميع أموال القتلى يوم الكمين وأموال الهاربين إلى
جليقية وأموال الكنائس وحليها للمسلمين .
ثم إن
أهل إشبيلية اجتمعوا وقصدوها ، فقتلوا من بها من المسلمين ، فسير
موسى إليها ابنه
عبد العزيز بجيش ، فحصرها وملكها عنوة ، وقتل من بها من أهلها ، وسار عنها إلى لبلة وباجة ، فملكها ، وعاد إلى
إشبيلية .
وسار
موسى من
مدينة ماردة في شوال يريد
طليطلة ، فخرج
طارق إليه فلقيه ، فلما أبصره نزل إليه ، فضربه
موسى بالسوط على رأسه ، ووبخه على ما كان من خلافه ، ثم سار به إلى مدينة
طليطلة ، فطلب منه ما غنم والمائدة أيضا ، فأتاه بها وقد انتزع رجلا من أرجلها ، فسأله عنها ، فقال : لا علم لي ، كذلك وجدتها ، فعمل عوضها من ذهب .
وسار
موسى إلى
سرقسطة ومدائنها ، فافتتحها وأوغل في بلاد الفرنج ، فانتهى إلى مفازة كبيرة وأرض سهلة ذات آثار ، فأصاب فيها صنما قائما فيه مكتوب بالنقر : يا
بني إسماعيل إلى هاهنا منتهاكم فارجعوا ، وإن سألتم إلى ماذا ترجعون أخبرتكم أنكم ترجعون إلى الاختلاف فيما بينكم ، حتى يضرب بعضكم أعناق بعض ، وقد فعلتم .
فرجع ووافاه رسول
الوليد في أثناء ذلك يأمره بالخروج عن
الأندلس والقفول إليه ،
[ ص: 43 ] فساءه ذلك ومطل الرسول ، وهو يقصد بلاد العدو في غير ناحية الصنم ، يقتل ، ويسبي ، ويهدم الكنائس ، ويكسر النواقيس ، حتى بلغ صخرة بلاي على البحر الأخضر ، وهو في قوة وظهور ، فقدم عليه رسول آخر
للوليد يستحثه ، وأخذ بعنان بغلته وأخرجه ، وكان موافاة الرسول بمدينة
لك بجليقية ، وخرج على الفج المعروف بفج
موسى ، ووافاه
طارق من الثغر الأعلى ، فأقفله معه ومضيا جميعا .
واستخلف
موسى على
الأندلس ابنه
عبد العزيز بن موسى ، فلما عبر البحر إلى
سبته استخلف عليها وعلى
طنجة وما والاهما ابنه
عبد الملك ، واستخلف على
إفريقية وأعمالها ابنه الكبير
عبد الله ، وسار إلى
الشام ، وحمل الأموال التي غنمت من
الأندلس والذخائر والمائدة ، ومعه ثلاثون ألف بكر من بنات ملوك
القوط وأعيانهم ، ومن نفيس الجوهر والأمتعة ما لا يحصى ، فورد
الشام ، وقد مات
nindex.php?page=showalam&ids=15490الوليد بن عبد الملك ، واستخلف
nindex.php?page=showalam&ids=16044سليمان بن عبد الملك ، وكان منحرفا عن
nindex.php?page=showalam&ids=17181موسى بن نصير ، فعزله عن جميع أعماله ، وأقصاه وحبسه وأغرمه حتى احتاج أن يسأل العرب في معونته .
وقيل : إنه قدم
الشام والوليد حي ، وكان قد كتب إليه وادعى أنه هو الذي فتح
الأندلس ، وأخبره خبر المائدة ، فلما حضر عنده عرض عليه ما معه وعرض المائدة ، ومعه
طارق ، فقال
طارق : أنا غنمتها . فكذبه
موسى . فقال
طارق للوليد : سله عن رجلها المعدومة . فسأله عنها ، فلم يكن عنده منها علم ، فأظهرها
طارق ، وذكر أنه أخفاها لهذا السبب . فعلم
الوليد صدق
طارق ، وإنما فعل هذا لأنه كان حبسه وضربه حتى أرسل
الوليد فأخرجه ، وقيل : لم يحبسه .
قالوا : ولما دخلت
الروم بلاد
الأندلس كان في مملكتهم بيت إذا ولي ملك منهم أقفل عليه قفلا ، فلما ملكت
القوط فعلوا كفعلهم ، فلما ملك
رذريق أراد فتح الأقفال ، فنهاه أكابر أهل البلاد عن ذلك ، فلم يقبل منهم ، وفتح الأقفال ، فرأى في البيت صور العرب وعليهم العمائم الحمر على خيول شهب ، وفيه كتاب : إذا فتح هذا البيت دخل هؤلاء القوم هذا البلد . ففتحت
الأندلس تلك السنة .
فهذا القدر كاف في فتح
الأندلس ، ونذكر باقي أخبار
الأندلس عند أوقات حدوثها على ما شرطنا إن شاء الله تعالى .