ذكر
فتح جرجان الفتح الثاني
قد ذكرنا فتح
جرجان وقهستان وغدر أهل
جرجان ، فلما صالح
يزيد أصبهبذ طبرستان سار إلى
جرجان ، وعاهد الله تعالى لئن ظفر بهم لا يرفع السيف حتى يطحن بدمائهم ، ويأكل من ذلك الطحين . فأتاها وحصر أهلها بحصن فجاه ومن يكون بها لا يحتاج إلى عدة من طعام وشراب ، فحصرهم
يزيد فيها سبعة أشهر ، وهم يخرجون إليه في الأيام فيقاتلونه ويرجعون .
فبينا هم على ذلك إذ خرج رجل من عجم
خراسان يتصيد ، وقيل : رجل من
طيء ، فأبصر وعلا في الجبل ، ولم يشعر حتى هجم على عسكرهم ، فرجع كأنه يريد أصحابه ، وجعل يخرق قباءه ويعقد على الشجر علامات ، فأتى
يزيد فأخبره ، فضمن له
يزيد دية إن دلهم على الحصن ، فانتخب معه ثلاثمائة رجل ، واستعمل عليهم ابنه
خالد بن يزيد ، وقال له : إن غلبت على الحياة فلا تغلبن على الموت ، وإياك أن أراك عندي مهزوما . وضم إليه
جهم بن زحر ، وقال للرجل : متى تصلون ؟ قال : غدا العصر . قال
يزيد : سأجهد على مناهضتهم عند الظهر .
فساروا فلما كان الغد وقت الظهر أحرق
يزيد كل حطب كان عندهم ، فصار مثل الجبال من النيران ، فنظر العدو إلى النيران فهالهم ذلك فخرجوا إليهم ، وتقدم
يزيد إليهم
[ ص: 92 ] فاقتتلوا ، وهجم أصحاب
يزيد الذين ساروا على عسكر
الترك قبل العصر وهم آمنون من ذلك الوجه ،
ويزيد يقاتلهم من هذا الوجه ، فما شعروا إلا بالتكبير من ورائهم ، فانقطعوا جميعا إلى حصنهم ، وركبهم المسلمون فأعطوا بأيديهم ، ونزلوا على حكم
يزيد ، فسبى ذراريهم وقتل مقاتلتهم ، وصلبهم فرسخين إلى يمين الطريق ويساره ، وقاد منهم اثني عشر ألفا إلى وادي
جرجان وقال : من طلبهم بثأر فليقتل . فكان الرجل من المسلمين يقتل الأربعة والخمسة ، وأجرى الماء على الدم وعليه أرحاء ليطحن بدمائهم ليبر يمينه ، فطحن وخبز وأكل ، وقيل : قتل منهم أربعين ألفا .
وبنى مدينة
جرجان ، ولم تكن بنيت قبل ذلك مدينة ، ورجع إلى
خراسان ، واستعمل على
جرجان جهم بن زحر الجعفي ، وقيل : بل قال
يزيد لأصحابه لما ساروا : إذا وصلتم إلى
المدينة انتظروا ، فإذا كان السحر كبروا واقصدوا الباب ، فستجدوني قد نهضت بالناس إليه . فلما دخل
ابن زحر المدينة أمهل حتى كانت الساعة التي أمره
يزيد أن ينهض فيها ، فكبر ، ففزع أهل الحصن ، وكان أصحاب
يزيد لا يلقون أحدا إلا قتلوه ، ودهش
الترك ، فبقوا لا يدرون أين يتوجهون ، وسمع
يزيد التكبير ، فسار في الناس إلى الباب ، فلم يجد عنده أحدا يمنعه وهم مشغولون بالمسلمين ، فدخل الحصن من ساعته وأخرج من فيه وصلبهم فرسخين من يمين الطريق ويساره ، فصلبهم أربعة فراسخ ، وسبى أهلها وغنم ما فيها ، وكتب إلى
سليمان بالفتح يعظمه ويخبره أنه قد حصل عنده من الخمس ستمائة ألف ألف ، فقال له كاتبه
المغيرة بن أبي قرة مولى بني سدوس : لا تكتب تسمية المال ، فإنك من ذلك بين أمرين ، إما استكثره فأمرك بحمله ، وإما سمحت نفسه لك به فأعطاكه ، فتكلف الهدية ، فلا يأتيه من قبلك شيء إلا استقله ، فكأني بك قد استغرقت ما سميت ولم يقع منه موقعا ، ويبقى المال الذي سميت مخلدا في دواوينهم ، فإن ولي وال بعده أخذك به ، وإن ولي من يتحامل عليك لم يرض بأضعافه ، ولكن اكتب فسله القدوم ، وشافهه بما أحببت فهو أسلم . فلم يقبل منه وأمضى الكتاب ، وقيل : كان المبلغ أربعة آلاف ألف .