صفحة جزء
ذكر خروج محمد بن خالد بالكوفة مسودا

وفي هذه السنة خرج محمد بن خالد بن عبد الله القسري بالكوفة وسود قبل أن يدخلها الحسن بن قحطبة وأخرج عنها عامل ابن هبيرة ثم دخلها الحسن .

وكان من خبره أن محمدا خرج بالكوفة ليلة عاشوراء مسودا وعلى الكوفة زياد بن صالح الحارثي ، وعلى شرطه عبد الرحمن بن بشير العجلي ، وسار محمد إلى القصر ، فارتحل زياد ومن معه من أهل الشام ، ودخل محمد القصر ، وسمع حوثرة الخبر فسار نحو الكوفة ، فتفرق عن محمد عامة من معه لما بلغهم الخبر ، وبقي في نفر يسير من أهل الشام ومن اليمانيين ، من كان هرب من مروان ، وكان معه مواليه ، وأرسل أبو سلمة الخلال ، ولم يظهر بعد ، إلى محمد يأمره بالخروج من القصر تخوفا عليه من حوثرة ومن معه ، ولم يبلغ أحدا من الفريقين هلاك قحطبة ، فأبى محمد أن يخرج ، وبلغ حوثرة تفرق أصحاب محمد عنه فتهيأ للمسير نحوه .

فبينا محمد في القصر إذ أتاه بعض طلائعه فقال له : قد جاءت خيل من أهل الشام ، فوجه إليهم عدة من مواليه ، فناداهم الشاميون : نحن بجيلة وفينا مليح بن خالد [ ص: 398 ] البجلي جئنا لندخل في طاعة الأمير ، فدخلوا ، ثم جاءت خيل أعظم من تلك فيها جهم بن الأصفح الكناني ، ثم جاءت خيل أعظم منها مع رجل من آل بحدل ، فلما رأى ذلك حوثرة من صنع أصحابه ارتحل نحو واسط .

وكتب محمد بن خالد من ليلته إلى قحطبة ، وهو لا يعلم بهلاكه ، يعلم أنه قد ظفر بالكوفة .

فقدم القاصد على الحسن بن قحطبة ، فلما دفع إليه كتاب محمد بن خالد قرأه على الناس ثم ارتحل نحو الكوفة ، فأقام محمد بالكوفة يوم الجمعة ويوم السبت والأحد وصبحه الحسن يوم الاثنين .

وقد قيل : إن الحسن بن قحطبة أقبل نحو الكوفة بعد هزيمة ابن هبيرة وعليها عبد الرحمن بن بشير العجلي فهرب عنها ، فسود محمد بن خالد وخرج في أحد عشر رجلا وبايع الناس ، ودخلها الحسن من الغد ، فلما دخلها الحسن هو وأصحابه أتوا أبا سلمة ، وهو في بني سلمة ، فاستخرجوه ، فعسكر بالنخيلة يومين ثم ارتحل إلى حمام أعين ، ووجه الحسن بن قحطبة إلى واسط لقتال ابن هبيرة ، وبايع الناس أبا سلمة حفص بن سليمان مولى السبيع ، وكان يقال له وزير آل محمد ، واستعمل محمد بن خالد عبد الله على الكوفة ، وكان يقال له الأمير ، حتى ظهر أبو العباس السفاح .

ووجه حميد بن قحطبة إلى المدائن في قواد ، وبعث المسيب بن زهير وخالد بن برمك إلى دير قنى ، وبعث المهلبي وشراحيل إلى عين التمر ، وبسام بن إبراهيم بن بسام إلى الأهواز ، وبها عبد الواحد بن عمر بن هبيرة . فلما أتى بسام الأهواز خرج عنها عبد الواحد إلى البصرة بعد أن قاتله وهزمه بسام ، وبعث إلى البصرة سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب عاملا عليها ، فقدمها وكان عليها سلم بن قتيبة الباهلي عاملا لابن هبيرة ، وقد لحق به عبد الواحد بن هبيرة ، كما تقدم ذكره .

فأرسل سفيان بن معاوية إلى سلم يأمره بالتحول من دار الإمارة ، ويعلمه ما أتاه من رأي أبي سلمة ، وامتنع وجمع معه قيسا ومضر ومن بالبصرة من بني أمية ، وجمع سفيان جميع اليمانية وحلفاءهم من ربيعة وغيرهم ، وأتاهم قائد من قواد ابن هبيرة كان بعثه مددا لسلم في ألفي رجل من كلب ، فأتى سلم سوق الإبل ووجه الخيول في سكك البصرة ونادى : من جاء برأس فله خمسمائة ، ومن جاء بأسير فله ألف درهم .

ومضى معاوية بن سفيان بن معاوية في ربيعة وخاصته ، فلقيه خيل تميم ، فقتل [ ص: 399 ] معاوية وأتي برأسه إلى سلم ، فأعطى قاتله عشرة آلاف ، وانكسر سفيان بقتل ابنه فانهزم ، وقدم على سلم بعد ذلك أربعة آلاف من عند مروان ، فأرادوا نهب من بقي من الأزد ، فقاتلهم قتالا شديدا ، وكثرت القتلى بينهم ، وانهزمت الأزد ، ونهبت دورهم ، وسبيت نساؤهم ، وهدموا البيوت ثلاثة أيام .

ولم يزل سلم بالبصرة حتى أتاه قتل ابن هبيرة ، فشخص عنها ، واجتمع من بالبصرة من ولد الحارث بن عبد المطلب إلى محمد بن جعفر فولوه أمرهم ، فوليهم أياما يسيرة حتى قدم البصرة أبو مالك عبد الله بن أسيد الخزاعي من قبل أبي مسلم . فلما قدم أبو العباس ولاها سفيان بن معاوية .

وكان حرب سفيان وسلم بالبصرة في صفر .

وفيها عزل مروان عن المدينة الوليد بن عروة واستعمل أخاه يوسف بن عروة في شهر ربيع الأول .

التالي السابق


الخدمات العلمية