فصل قال من جعل الأقراء الأطهار : الكلام معكم في مقامين .
أحدهما : بيان الدليل على أنها الأطهار .
الثاني : في الجواب عن أدلتكم .
أما المقام الأول : فقوله تعالى : (
ياأيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ) [ الطلاق : 1 ] ووجه الاستدلال به : أن اللام هي لام الوقت ، أي : فطلقوهن في وقت عدتهن ، كما في قوله تعالى : (
ونضع الموازين القسط ليوم القيامة ) ، [ الأنبياء : 47 ] أي : في يوم القيامة ، وقوله : (
أقم الصلاة لدلوك الشمس ) ، [ الإسراء : 78 ] أي : وقت الدلوك ، وتقول العرب : جئتك لثلاث بقين من الشهر ، أي : في ثلاث بقين منه ، وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية بهذا التفسير ، ففي " الصحيحين " :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16003594عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنه : أنه لما طلق امرأته وهي حائض ، أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يراجعها ، ثم يطلقها ، وهي طاهر ، قبل أن يمسها ، ثم قال : فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن
العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء هي الطهر الذي بعد الحيضة ، ولو كان القرء هو الحيض
[ ص: 547 ] كان قد طلقها قبل العدة لا في العدة ، وكان ذلك تطويلا عليها ، وهو غير جائز ، كما لو
طلقها في الحيض .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : قال الله تعالى : (
والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) [ البقرة : 228 ] ، فالأقراء عندنا - والله أعلم - الأطهار ، فإن قال قائل : ما دل على أنها الأطهار وقد قال غيركم : الحيض ؟ قيل : له دلالتان . إحداهما : الكتاب الذي دلت عليه السنة ، والأخرى : اللسان . فإن قال : وما الكتاب ؟ قيل : قال الله تبارك وتعالى : (
إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ) [ الطلاق : 1 ] وأخبرنا
مالك : عن
نافع ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=16003595عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنه ، أنه طلق امرأته وهي حائض في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مره فليراجعها ، تم ليمسكها حتى تطهر ، ثم تحيض ، ثم تطهر ، ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس ، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء
أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ،
nindex.php?page=showalam&ids=14971وسعيد بن سالم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
أبي الزبير nindex.php?page=hadith&LINKID=16003596أنه سمع nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر يذكر طلاق امرأته حائضا ، فقال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا طهرت فليطلق أو يمسك ، وتلا النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا طلقتم النساء فطلقوهن ) لقبل أو في قبل عدتهن [ الطلاق : 1 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله : أنا شككت ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل : أن العدة الطهر دون الحيض ، وقرأ : فطلقوهن
[ ص: 548 ] لقبل عدتهن وهو أن يطلقها طاهرا ؛ لأنها حينئذ تستقبل عدتها ، ولو طلقت حائضا ، لم تكن مستقبلة عدتها إلا بعد الحيض .
فإن قال : فما اللسان ؟ قيل : القرء : اسم وضع لمعنى ، فلما كان الحيض دما يرخيه الرحم فيخرج ، والطهر دما يحتبس فلا يخرج ، وكان معروفا من لسان العرب أن القرء الحبس . تقول العرب : هو يقري الماء في حوضه وفي سقائه ، وتقول العرب : هو يقري الطعام في شدقه ، يعني : يحبسه في شدقه . وتقول العرب : إذا حبس الرجل الشيء ، قرأه . يعني : خبأه ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه : تقرى في صحافها ، أي : تحبس في صحافها .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : أخبرنا
مالك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب ، عن
عروة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها أنها انتقلت
حفصة بنت عبد الرحمن حين دخلت في الدم من الحيضة الثالثة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب : فذكر ذلك
لعمرة بنت عبد الرحمن ، فقالت : صدق
عروة . وقد جادلها في ذلك ناس . وقالوا : إن الله تعالى يقول (
ثلاثة قروء ) فقالت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها : صدقتم ، وهل تدرون ما الأقراء ؟ الأقراء : الأطهار .
أخبرنا
مالك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=11947أبا بكر بن عبد الرحمن يقول : ما أدركت أحدا من فقهائنا إلا وهو يقول هذا . يريد الذي قالت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله : وأخبرنا
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن
عمرة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها : إذا طعنت المطلقة في الدم من الحيضة الثالثة ، فقد برئت منه
وأخبرنا
مالك رحمه الله ، عن
نافع ،
nindex.php?page=showalam&ids=15944وزيد بن أسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16049سليمان بن يسار أن
الأحوص - يعني ابن حكيم - هلك
بالشام حين دخلت امرأته في الحيضة
[ ص: 549 ] الثالثة ، وقد كان طلقها ، فكتب
معاوية إلى
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت يسأله عن ذلك ؟ فكتب إليه
زيد : إنها إذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة ، فقد برئت منه ، وبرئ منها ، ولا ترثه ، ولا يرثها .
وأخبرنا
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، قال : حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=16049سليمان بن يسار ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت ، قال : إذا طعنت المرأة في الحيضة الثالثة فقد برئت .
وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12514سعيد بن أبي عروبة ، عن رجل ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16049سليمان بن يسار ، أن
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر قالا : إذا دخلت في الحيضة الثالثة فلا رجعة له عليها .
وأخبرنا
مالك : عن
نافع ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما قال : إذا
طلق الرجل امرأته فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة ، فقد برئت منه ، ولا ترثه ، ولا يرثها .
أخبرنا
مالك رحمه الله أنه بلغه عن
nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم بن محمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=15959وسالم بن عبد الله ،
nindex.php?page=showalam&ids=11947وأبي بكر بن عبد الرحمن ،
nindex.php?page=showalam&ids=16049وسليمان بن يسار ،
nindex.php?page=showalam&ids=13283وابن شهاب ، أنهم كانوا يقولون : إذا دخلت المطلقة في الدم من الحيضة الثالثة ، فقد بانت منه ، ولا ميراث بينهما . زاد غير
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عن
مالك رحمهما الله : ولا رجعة له عليها . قال
مالك : وذلك الأمر الذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله : ولا بعد أن تكون الأقراء الأطهار ، كما قالت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها ، والنساء بهذا أعلم ؛ لأنه فيهن لا في الرجال ، أو الحيض فإذا جاءت بثلاث حيض ، حلت ، ولا نجد في كتاب الله للغسل معنى ، ولستم تقولون بواحد من القولين ، يعني : أن الذين قالوا : إنها الحيض ، قالوا : وهو أحق برجعتها حتى تغتسل من الحيضة الثالثة ، كما قاله
علي ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ،
وأبو [ ص: 550 ] موسى ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب أيضا .
فقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : فقيل لهم يعني للعراقيين : لم تقولوا بقول من احتججتم بقوله ، ورويتم هذا عنه ، ولا بقول أحد من السلف علمناه ؟ فإن قال قائل : أين خالفناهم ؟ قلنا . قالوا : حتى تغتسل وتحل لها الصلاة ، وقلتم : إن فرطت في الغسل حتى يذهب وقت الصلاة حلت وهي لم تغتسل ، ولم تحل لها الصلاة . انتهى كلام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله .
قالوا : ويدل على أنها الأطهار في اللسان قول
الأعشى :
أفي كل عام أنت جاشم غزوة تشد لأقصاها عزيم عزائكا مورثة عزا وفي الحي رفعة
لما ضاع فيها من قروء نسائكا
فالقروء في البيت : الأطهار ، لأنه ضيع أطهارهن في غزاته ، وآثرها عليهن .
قالوا : ولأن الطهر أسبق إلى الوجود من الحيض ، فكان أولى بالاسم ، قالوا : فهذا أحد المقامين .