فصل
في أعذار الذين وهموا في
صفة حجته
أما من قال : إنه حج حجا مفردا ، لم يعتمر فيه ، فعذره ما في " الصحيحين " عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، أنها قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16001055خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع ، فمنا من أهل بعمرة ، ومنا من أهل بحج وعمرة ، ومنا من أهل بحج ، وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج . وقالوا : هذا التقسيم والتنويع صريح في إهلاله بالحج وحده .
nindex.php?page=showalam&ids=17080ولمسلم عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16001056أهل بالحج مفردا ) .
وفي " صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري " عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=16001057أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لبى بالحج وحده ) .
وفي " صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم " ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=16001058أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بالحج .
وفي " سنن
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه " ، عن
جابر ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=16001059أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أفرد الحج ) .
وفي " صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم " عنه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16001060خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ننوي إلا الحج لسنا نعرف العمرة .
[ ص: 122 ] وفي " صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري " ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة بن الزبير قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16001061حج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرتني nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ( أن أول شيء بدأ به حين قدم مكة ، أنه توضأ ، ثم طاف بالبيت [ ثم لم تكن عمرة ] ، ثم حج أبو بكر رضي الله عنه ، فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ، ثم لم تكن عمرة ، ثم عمر رضي الله عنه مثل ذلك ، ثم حج عثمان فرأيته أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ، ثم لم تكن عمرة ، ثم معاوية ، nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمر ، ثم حججت مع أبي nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير بن العوام ، فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ، ثم لم تكن عمرة ، ثم رأيت فعل ذلك nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، ثم لم ينقضها عمرة ، وهذا nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر عندهم ، فلا يسألونه ولا أحد ممن مضى ما كانوا يبدءون بشيء حين يضعون أقدامهم أول من الطواف بالبيت ثم لا يحلون ، وقد رأيت أمي وخالتي حين تقدمان لا تبدآن بشيء أول من البيت تطوفان به ، ثم إنهما لا تحلان ، وقد أخبرتني أمي أنها أهلت هي وأختها والزبير ، وفلان ، وفلان ، بعمرة فلما مسحوا الركن حلوا ) .
وفي" سنن
أبي داود " : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17173موسى بن إسماعيل ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن سلمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=17287ووهيب بن خالد ، كلاهما عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16001062خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم موافين لهلال ذي الحجة ، فلما كان بذي الحليفة قال : ( من شاء أن يهل بحج فليهل ، ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل بعمرة ) ثم انفرد
وهيب في حديثه بأن قال عنه صلى الله عليه وسلم : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16001063فإني لولا أني أهديت لأهللت بعمرة ) . وقال الآخر : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16001064وأما أنا فأهل بالحج ) فصح بمجموع الروايتين أنه ( أهل بالحج مفردا ) .
فأرباب هذا القول عذرهم ظاهر كما ترى ، ولكن ما عذرهم في حكمه وخبره الذي حكم به على نفسه ، وأخبر عنها بقوله : سقت الهدي وقرنت ، وخبر من هو تحت بطن ناقته ، وأقرب إليه حينئذ من غيره فهو من أصدق الناس يسمعه
[ ص: 123 ] يقول : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16001065لبيك بحجة وعمرة ) ، وخبر من هو من أعلم الناس عنه صلى الله عليه وسلم ،
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، حين يخبر أنه أهل بهما جميعا ، ولبى بهما جميعا ، وخبر زوجته
حفصة في تقريره لها على أنه معتمر بعمرة لم يحل منها ، فلم ينكر ذلك عليها ، بل صدقها ، وأجابها بأنه مع ذلك حاج ، وهو صلى الله عليه وسلم لا يقر على باطل يسمعه أصلا ، بل ينكره .
وما عذرهم عن خبره صلى الله عليه وسلم عن نفسه بالوحي الذي جاءه من ربه ، يأمره فيه أن يهل بحجة في عمرة ، وما عذرهم عن خبر من أخبر عنه من أصحابه أنه قرن ؛ لأنه علم أنه لا يحج بعدها ، وخبر من أخبر عنه صلى الله عليه وسلم أنه اعتمر مع حجته وليس مع من قال : إنه أفرد الحج شيء من ذلك البتة فلم يقل أحد منهم عنه : إني أفردت ، ولا أتاني آت من ربي يأمرني بالإفراد ، ولا قال أحد : ما بال الناس حلوا ، ولم تحل من حجتك ، كما حلوا هم بعمرة ، ولا قال أحد : سمعته يقول : لبيك بعمرة مفردة البتة ، ولا بحج مفرد ، ولا قال أحد : إنه اعتمر أربع عمر الرابعة بعد حجته ، وقد شهد عليه أربعة من الصحابة أنهم سمعوه يخبر عن نفسه بأنه قارن ، ولا سبيل إلى دفع ذلك إلا بأن يقال : لم يسمعوه .
ومعلوم قطعا أن تطرق الوهم والغلط إلى من أخبر عما فهمه هو من فعله يظنه كذلك أولى من تطرق التكذيب إلى من قال : سمعته يقول : كذا وكذا وإنه لم يسمعه فإن هذا لا يتطرق إليه إلا التكذيب ، بخلاف خبر من أخبر عما ظنه من فعله وكان واهما ، فإنه لا ينسب إلى الكذب ، ولقد نزه الله عليا ، وأنسا ، والبراء ، وحفصة عن أن يقولوا : سمعناه يقول : كذا ولم يسمعوه ونزهه ربه تبارك وتعالى ، أن يرسل إليه : أن افعل كذا وكذا ولم يفعله ، هذا من أمحل المحال وأبطل الباطل ، فكيف والذين ذكروا الإفراد عنه لم يخالفوا هؤلاء في مقصودهم ، ولا ناقضوهم ، وإنما أرادوا إفراد الأعمال ، واقتصاره على عمل المفرد فإنه ليس في عمله زيادة على عمل المفرد .
ومن روى عنهم ما يوهم خلاف هذا ، فإنه عبر بحسب ما فهمه كما سمع
بكر بن عبد الله بن عمر يقول : أفرد الحج ، فقال ( لبى بالحج وحده ) فحمله على المعنى . وقال سالم ابنه عنه ونافع مولاه . إنه تمتع ، فبدأ فأهل بالعمرة ثم أهل
[ ص: 124 ] بالحج ، فهذا سالم يخبر بخلاف ما أخبر به بكر ، ولا يصح تأويل هذا عنه بأنه أمر به ، فإنه فسره بقوله : وبدأ فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج ، وكذا الذين رووا الإفراد عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها ، فهما :
عروة ،
والقاسم ، وروى القران عنها
عروة ،
ومجاهد ،
وأبو الأسود يروي عن
عروة الإفراد ،
nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري يروي عنه القران .
فإن قدرنا تساقط الروايتين ، سلمت رواية
مجاهد ، وإن حملت رواية الإفراد على أنه أفرد أعمال الحج ، تصادقت الروايات وصدق بعضها بعضا ، ولا ريب أن قول
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ( أفرد الحج ) ، محتمل لثلاثة معان :
أحدها : الإهلال به مفردا .
الثاني : إفراد أعماله .
الثالث أنه حج حجة واحدة لم يحج معها غيرها ، بخلاف العمرة فإنها كانت أربع مرات .
وأما قولهما : تمتع بالعمرة إلى الحج ، وبدأ فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج ، فحكيا فعله ، فهذا صريح لا يحتمل غير معنى واحد ، فلا يجوز رده بالمجمل ، وليس في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=13705الأسود بن يزيد وعمرة عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أنه أهل بالحج ما يناقض رواية
مجاهد وعروة عنها أنه قرن ، فإن القارن حاج مهل بالحج قطعا ، وعمرته جزء من حجته ، فمن أخبر عنها أنه أهل بالحج فهو غير صادق .
فإن ضمت رواية
مجاهد إلى رواية
عمرة والأسود ثم ضمتا إلى رواية
عروة تبين من مجموع الروايات أنه كان قارنا ، وصدق بعضها بعضا ، حتى لو لم يحتمل قول
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر إلا معنى الإهلال به مفردا ، لوجب قطعا أن يكون سبيله سبيل قول
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : اعتمر في رجب ، وقول
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أو
عروة : إنه صلى الله عليه وسلم ( اعتمر في شوال ) ، إلا أن تلك الأحاديث الصحيحة الصريحة لا سبيل أصلا إلى تكذيب رواتها ، ولا تأويلها وحملها على غير ما دلت عليه ولا سبيل إلى تقديم هذه الرواية المجملة التي قد اضطربت على رواتها ، واختلف عنهم فيها ، وعارضهم من هو أوثق منهم أو مثلهم عليها .
[ ص: 125 ] وأما قول
جابر : إنه ( أفرد الحج ) ، فالصريح من حديثه ليس فيه شيء من هذا ، وإنما فيه إخباره عنهم أنفسهم أنهم لا ينوون إلا الحج فأين في هذا ما يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبى بالحج مفردا .
وأما حديثه الآخر الذي رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=16001066أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أفرد الحج ) ، فله ثلاث طرق :أجودها : طريق
الدراوردي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر بن محمد عن أبيه ، وهذا يقينا مختصر من حديثه الطويل في حجة الوداع ومروي بالمعنى ، والناس خالفوا
الدراوردي في ذلك . وقالوا : أهل بالحج ، وأهل بالتوحيد . والطريق الثاني : فيها
مطرف بن مصعب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16372عبد العزيز بن أبي حازم ، عن
جعفر ومطرف قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم : هو مجهول ، قلت : ليس هو بمجهول ، ولكنه ابن أخت
مالك روى عنه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ،
nindex.php?page=showalam&ids=15541وبشر بن موسى ، وجماعة . قال
أبو حاتم : صدوق مضطرب الحديث ، هو أحب إلي من
nindex.php?page=showalam&ids=12427إسماعيل بن أبي أويس ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13357ابن عدي : يأتي بمناكير ، وكأن
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبا محمد بن حزم رأى في النسخة
مطرف بن مصعب فجهله ، وإنما هو
مطرف أبو مصعب ، وهو
مطرف بن عبد الله بن مطرف بن سليمان بن يسار .
وممن غلط في هذا أيضا ،
محمد بن عثمان الذهبي في كتابه " الضعفاء " فقال :
مطرف بن مصعب المدني عن
nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذئب منكر الحديث .
قلت : والراوي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذئب ،
والدراوردي ،
ومالك هو
مطرف أبو مصعب المدني ، وليس بمنكر الحديث ، وإنما غره قول
nindex.php?page=showalam&ids=13357ابن عدي يأتي بمناكير ، ثم ساق له منها
nindex.php?page=showalam&ids=13357ابن عدي جملة لكن هي من رواية
أحمد بن داود بن صالح عنه ، كذبه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني ، والبلاء فيها منه .
والطريق الثالث : لحديث
جابر فيها
محمد بن عبد الوهاب ينظر فيه من هو وما حاله عن
nindex.php?page=showalam&ids=16899محمد بن مسلم ، إن كان الطائفي فهو ثقة عند
nindex.php?page=showalam&ids=17336ابن معين ، ضعيف عند
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم : ساقط البتة ولم أر هذه العبارة فيه لغيره ، وقد استشهد به
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم : وإن كان غيره فلا أدري من هو ؟ قلت : ليس بغيره بل هو الطائفي يقينا . وبكل حال فلو صح هذا عن
جابر لكان حكمه حكم المروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر وسائر الرواة الثقات ، إنما قالوا : ( أهل
[ ص: 126 ] بالحج ) فلعل هؤلاء حملوه على المعنى ، وقالوا : ( أفرد الحج ) ومعلوم أن العمرة إذا دخلت في الحج فمن قال : ( أهل بالحج ) ، لا يناقض من قال : أهل بهما ، بل هذا فصل وذاك أجمل .
ومن قال : ( أفرد الحج ) يحتمل ما ذكرنا من الوجوه الثلاثة ، ولكن هل قال أحد قط عنه : إنه سمعه يقول : " لبيك بحجة مفردة " ، هذا ما لا سبيل إليه ، حتى لو وجد ذلك لم يقدم على تلك الأساطين التي ذكرناها والتي لا سبيل إلى دفعها البتة ، وكان تغليط هذا أو حمله على أول الإحرام وأنه صار قارنا في أثنائه متعينا ، فكيف ولم يثبت ذلك ، وقد قدمنا عن
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر بن محمد ، عن أبيه عن
جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=16001067قرن في حجة الوداع . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14451زكريا الساجي ، عن
عبد الله بن أبي زياد القطواني ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15945زيد بن الحباب ، عن
سفيان . ولا تناقض بين هذا وبين قوله : أهل بالحج ، وأفرد بالحج ولبى بالحج كما تقدم .