فصل
[ ص: 196 ] وقد سلك
المانعون من الفسخ طريقتين أخريين ، نذكرهما ونبين فسادهما .
الطريقة الأولى : قالوا : إذا اختلف الصحابة ومن بعدهم في جواز الفسخ ، فالاحتياط يقتضي المنع منه صيانة للعبادة عما لا يجوز فيها عند كثير من أهل العلم ، بل أكثرهم .
والطريقة الثانية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهم بالفسخ ليبين لهم جواز العمرة في أشهر الحج ؛ لأن أهل الجاهلية كانوا يكرهون العمرة في أشهر الحج وكانوا يقولون إذا برأ الدبر ، وعفا الأثر ، وانسلخ صفر ، فقد حلت العمرة لمن اعتمر فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالفسخ ؛ ليبين لهم جواز
العمرة في أشهر الحج ، وهاتان الطريقتان باطلتان .
أما الأولى : فلأن الاحتياط إنما يشرع ، إذا لم تتبين السنة ، فإذا تبينت فالاحتياط هو اتباعها وترك ما خالفها; فإن كان تركها لأجل الاختلاف احتياطا ، فترك ما خالفها واتباعها ، أحوط وأحوط ، فالاحتياط نوعان : احتياط للخروج من خلاف العلماء ، واحتياط للخروج من خلاف السنة ، ولا يخفى رجحان أحدهما على الآخر .
وأيضا فإن الاحتياط ممتنع هنا ، فإن للناس في الفسخ ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه محرم .
[ ص: 197 ] الثاني : أنه واجب ، وهو قول جماعة من السلف والخلف .
الثالث : أنه مستحب ، فليس الاحتياط بالخروج من خلاف من حرمه أولى بالاحتياط بالخروج من خلاف من أوجبه . وإذا تعذر الاحتياط بالخروج من الخلاف ، تعين الاحتياط بالخروج من خلاف السنة .