فصل
ومن القواعد التي أدخلها قوم من العلماء في الغرر المنهي عنه : أنواع من الإجارات والمشاركات ،
كالمساقاة والمزارعة ونحو ذلك .
[ ص: 225 ] فذهب قوم من الفقهاء إلى أن المساقاة والمزارعة حرام باطل ، بناء على أنها نوع من الإجارة ; لأنها عمل بعوض ، والإجارة لا بد أن يكون الأجر فيها معلوما ; لأنها كالثمن . ولما روى
أحمد عن
أبي سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004022 " نهى عن استئجار الأجير حتى يبين له أجره ، وعن النجش واللمس ، وإلقاء الحجر " ، وأن العوض في المساقاة والمزارعة مجهول ; لأنه قد يخرج الزرع والثمر قليلا ، وقد يخرج كثيرا ، وقد يخرج على صفات ناقصة ، وقد لا يخرج ، فإن منع الله الثمرة كان استيفاء عمل العامل باطلا ، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، وهو أشد الناس قولا بتحريم هذا .
وأما
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، فالقياس عندهما ما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ، إدخالا لذلك في الغرر ، لكن جوزا منه ما تدعو إليه الحاجة .
فجوز
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي في القديم : المساقاة مطلقا ; لأن
كراء الشجر لا يجوز ; لأنه بيع للثمر قبل بدو صلاحه ، والمالك قد يتعذر عليه سقي شجره وخدمته ، فيضطر إلى المساقاة . بخلاف المزارعة فإنه يمكنه كراء الأرض بالأجر المسمى ، فيغنيه ذلك عن المزارعة عليه تبعا ، لكن جوزا من المزارعة ما يدخل في المساقاة تبعا . فإذا كان بين الشجر بياض قليل جازت المزارعة عليه تبعا للمساقاة .
ومذهب
مالك : أن زرع ذلك البياض للعامل بمطلق العقد ، فإن شرطاه بينهما جاز . وهذا إذا لم يتجاوز الثلث .
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي لا يجعله للعامل ، لكن يقول : إذا لم يمكن سقي الشجر إلا بسقيه جازت المزارعة عليه . ولأصحابه في البياض إذا كان كثيرا أكثر من الشجر وجهان .
[ ص: 226 ] وهذا إذا جمعهما في صفقة واحدة ، فإن فرق بينهما في صفقتين فوجهان .
أحدهما : لا يجوز بحال ; لأنه إنما جاز تبعا ، فلا يفرد بعقد .
والثاني : يجوز إذا ساقى ثم زارع ; لأنه يحتاج إليه حينئذ ، وأما إذا قدم المزارعة لم يجز وجها واحدا ، وهذا إذا كان الجزء المشروط فيهما واحدا ، كالثلث والربع ، فإن فاضل بينهما ، ففيه وجهان .
وروي عن قوم من السلف - منهم :
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس والحسن ، وبعض الخلف - : المنع من إجارتها بالأجرة المسماة ، وإن كانت دراهم أو دنانير .
وروى
حرب عن
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي أنه سئل : هل يصلح
اكتراء الأرض ؟ فقال : اختلف فيه ، فجماعة من أهل العلم لا يرون باكترائها بالدينار والدرهم بأسا ، وكره ذلك آخرون منهم ; وذلك لأن ذلك في معنى بيع الغرر ; لأن المستأجر يلتزم الأجرة بناء على ما يحصل له من الزرع ، وقد لا ينبت الزرع فيكون بمنزلة اكتراء الشجرة لاستثمارها . وقد كان
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس يزارع ، ولأن المزارعة أبعد عن الغرر من المؤاجرة ; لأن المتعاملين في المزارعة إما أن يغنما جميعا ، أو يغرما جميعا ، فتذهب منفعة بدن هذا وبقره ، ومنفعة أرض هذا ، وذلك أقرب إلى العدل من أن يحصل أحدهما على شيء مضمون ، ويبقى الآخر تحت الخطر . إذ المقصود بالعقد : هو الزرع ، لا القدرة على حرث الأرض وبذرها وسقيها .
وعذر الفريقين - مع هذا القياس - ما بلغهم من الآثار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من نهيه عن المخابرة وعن كراء الأرض ، كحديث
nindex.php?page=showalam&ids=46رافع بن خديج ، وحديث
جابر ، فعن
نافع :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004023 " أن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر كان يكري مزارعه على [ ص: 227 ] عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي إمارة أبي بكر وعمر وعثمان ، وصدرا من إمارة معاوية ، ثم حدث عن nindex.php?page=showalam&ids=46رافع بن خديج أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن كراء المزارع ، فذهب nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر إلى رافع ، فذهبت معه ، فسأله ؟ فقال : نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن كراء المزارع . فقال nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : قد علمت أنا كنا نكري مزارعنا بما على الأربعاء وشيء من التبن " ، أخرجاه في الصحيحين ، وهذا لفظ
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، ولفظ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004024 " حتى بلغه في آخر خلافة معاوية : أن nindex.php?page=showalam&ids=46رافع بن خديج يحدث فيها بنهي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فدخل عليه وأنا معه ، فسأله فقال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن كراء المزارع ، فتركها nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر بعد ، فكان إذا سئل عنها بعد قال : زعم nindex.php?page=showalam&ids=46رافع بن خديج أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنها " . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=15959سالم بن عبد الله بن عمر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004025 " أن nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر كان يكري أرضه ، حتى بلغه أن nindex.php?page=showalam&ids=46رافع بن خديج الأنصاري كان ينهى عن كراء الأرض ، فلقيه عبد الله فقال : يا ابن خديج ، ماذا تحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كراء الأرض ؟ قال nindex.php?page=showalam&ids=46رافع بن خديج لعبد الله : سمعت عمي - وكانا قد شهدا بدرا - يحدثان أهل الدار : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن كراء الأرض . قال عبد الله : لقد كنت أعلم في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الأرض تكرى ، ثم خشي عبد الله أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحدث في ذلك شيئا لم يعلمه ، فترك كراء الأرض " ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري قول
عبد الله الذي في آخره عن
nindex.php?page=showalam&ids=46رافع بن خديج عن عمه
ظهير بن رافع ، قال
ظهير :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004026 " لقد نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أمر كان بنا رافقا ، فقلت : وما ذاك ؟ - ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو حق - قال : دعاني [ ص: 228 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ما تصنعون بمحاقلكم ؟ فقلت ؟ نؤاجرها يا رسول الله على [الربع] أو على الأوسق من التمر أو الشعير . قال : فلا تفعلوا ، ازرعوها أو أزرعوها أو أمسكوها . قال رافع : قلت : سمعا وطاعة " ، أخرجاه في الصحيحين . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004027 " من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه ، فإن أبى فليمسك أرضه " ، أخرجاه . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004028 " كانوا يزرعونها بالثلث أو الربع ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه ، فإن لم يفعل فليمسك أرضه " ، أخرجاه - وهذا لفظ
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري . ولفظ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004029 " كنا في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نأخذ الأرض بالثلث أو الربع بالماذيانات ، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك فقال : من كانت له أرض فليزرعها ، فإن لم يزرعها فليمنحها أخاه ، فإن لم يمنحها أخاه فليمسكها " ، وفي رواية الصحيح : " ولا يكريها " . وفي رواية في الصحيح : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004030نهى عن كراء الأرض " .
وقد ثبت أيضا في الصحيحين عن
جابر قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004031 " نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المحاقلة والمزابنة والمعاومة والمخابرة " وفي رواية في الصحيحين عن
nindex.php?page=showalam&ids=15941زيد بن أبي أنيسة عن
عطاء عن
جابر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004032أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم " نهى عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة ، وأن يشتري النخل حتى يشقه : والإشقاه : أن يحمر أو يصفر أو يؤكل منه شيء ، [ ص: 229 ] والمحاقلة : أن يباع الحقل بكيل من الطعام معلوم ، والمزابنة : أن يباع النخل بأوساق من التمر ، والمخابرة : الثلث والربع وأشباه ذلك . قال زيد : قلت nindex.php?page=showalam&ids=16568لعطاء بن أبي رباح : أسمعت جابرا يذكر هذا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : نعم " .
فهذه الأحاديث قد يستدل بها من ينهى عن المؤاجرة والمزارعة ; لأنه نهى عن كرائها ، والكراء يعمها . ولأنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004033فليزرعها ، أو ليمنحها أخاه ، فإن لم يفعل فليمسكها " ، فلم يرخص إلا في أن يزرعها أو يمنحها لغيره ، ولم يرخص في المعاوضة عنها ، لا بمؤاجرة ولا بمزارعة .