[ ص: 305 ] كتاب المحاسبة والمراقبة
بيان
لزوم المحاسبة
قال الله تعالى : (
ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ) [ الأنبياء : 47 ] وقال تعالى : (
ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا ) [ الكهف : 49 ] وقال تعالى : (
يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد ) [ المجادلة : 6 ] وقال تعالى : (
يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) [ الزلزلة : 6 - 8 ] وقال تعالى : (
ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ) [ البقرة : 281 وآل عمران : 161 ] وقال تعالى : (
يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه ) [ آل عمران : 30 ] وقال تعالى : (
واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه ) [ البقرة : 235 ] .
استدل بذلك أرباب البصائر أن الله تعالى لهم بالمرصاد ، وأنهم سيناقشون في الحساب ، ويطالبون بمثاقيل الذر من الخطرات واللحظات ، فتحققوا أنهم لا ينجيهم من هذه الأخطار إلا لزوم المحاسبة وصدق المراقبة ومطالبة النفس في الأنفاس والحركات ، ومحاسبتها في الخطرات واللحظات .
فمن حاسب نفسه قبل أن يحاسب خف في القيامة حسابه ، وحضر عند السؤال جوابه ، وحسن منقلبه ومآبه ، ومن لم يحاسب نفسه دامت حسراته ، وطالت في عرصات القيامة وقفاته ، وقادته إلى الخزي والمقت سيئاته . فحتم على كل ذي حزم آمن بالله واليوم الآخر أن لا يغفل عن محاسبة نفسه والتضييق عليها في حركاتها وسكناتها ، وخطراتها وخطواتها ، فإن كل نفس من أنفاس العمر جوهرة نفيسة لا عوض لها ، يمكن أن يشترى بها كنز من الكنوز لا يتناهى نعيمه أبد الآباد . فانقضاء هذه الأنفاس ضائعة أو مصروفة إلى ما يجلب الهلاك خسران عظيم هائل لا تسمح به نفس عاقل .