63 - لبس اليلب في الجواب عن إيراد
حلب
بسم الله الرحمن الرحيم
وصل كتاب " الإعلام " إلى
حلب ، فوقف عليه واقف ، فرأى قولي فيه : إن
جبريل هو السفير بين الله وبين أنبيائه ، لا يعرف ذلك لغيره من الملائكة . فكتب على الهامش بخطه ما نصه : بل قد عرف ذلك لغيره من الملائكة ، قال
الحافظ برهان الدين الحلبي في " شرح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري " : اعلم أن في
كيفية نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع صور ، ذكرها
السهيلي في روضه - إلى أن قال - : سابعها وحي
إسرافيل ، كما ثبت عن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم وكل به
إسرافيل ، فكان يتراءى له ويأتيه بالكلمة والشيء ، ثم وكل به
جبريل .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر في أول " الاستيعاب " وساق سندا إلى
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي : قال : أنزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين سنة ، فقرن بنبوته
إسرافيل ثلاث سنين ، ثم نقل عن شيخه
ابن الملقن أن المشهور أن
جبريل ابتدأه بالوحي . انتهى ما كتبه المعترض .
وأقول : الجواب عن ذلك من وجوه ، أحدها : ما نقله المعترض نفسه في آخر كلامه عن
ابن الملقن أن المشهور أن
جبريل ابتدأه بالوحي ، وإنما قال
ابن الملقن ذلك ؛ لأنه الثابت في أحاديث الصحيحين وغيرهما ، وأثر
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي مرسل أو معضل ، فكيف يعتمد عليه مع ثبوت خلافه في الصحيحين وغيرهما ، والعجب من المعترض كيف اعترض بما لم يثبت ، مع نقله في آخر كلامه أن المشهور خلاف ما اعترض به .
الوجه الثاني : أن المراد بالسفير : الذي هو مرصد لذلك ، وذلك لا يعرف لغير
جبريل ، ولا ينافي ذلك مجيء غيره من الملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحيان ، كما أن كاتب السر مرصد للتوقيع عن السلطان ، ولا ينافي ذلك أن يوقع عنه غيره في بعض الأحيان ، فلا
[ ص: 204 ] يسلب كاتب السر الاختصاص بهذا الاسم ، ولا يشاركه فيه من وقع مرة أو مرتين ، فكذلك لا يسلب
جبريل الاختصاص باسم السفير ، ولا يشاركه فيه أحد من الملائكة الذين جاءوا إلى الأنبياء في وقت ما ، وكم من ملك غير
إسرافيل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم في قضايا متعددة كما هو في كثير من الأحاديث ، وجاء
ملك الموت إلى
إبراهيم عليه السلام فبشره بالخلة ، فعجب من المعترض كيف اقتصر على
إسرافيل دون مجيء غيره من الملائكة .
الوجه الثالث : أن العبارة التي أوردتها " وهو السفير بين الله وبين أنبيائه " بصيغة الجمع ،
وإسرافيل لم ينزل إلى أحد غير النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في الحديث ، وذكر بعض العلماء في حكمته أنه الموكل بالنفخ في الصور ، والنبي صلى الله عليه وسلم بعث قرب الساعة ، وكانت بعثته من أشراطها ، فبعث إليه
إسرافيل بهذه المناسبة ولم يبعث إلى نبي قبله ، وحينئذ فالمبعوث إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقط لا يصدق عليه أنه سفير بين الله وبين أنبيائه بصيغة الجمع ؛ لأنه لم يكن سفيرا إلا بين الله وبين نبي واحد ، والحكم المنفي عن المجموع لا يلزم نفيه عن فرد من أفراد ذلك المجموع ، فلا يصح النقض به .
الوجه الرابع : أنه قد ورد في الحديث ما يوهي أثر
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي ، وهو ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ،
والحاكم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006013بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وعنده جبريل ، إذ سمع نقيضا من السماء من فوق ، فرفع جبريل بصره إلى السماء ، فقال : يا محمد هذا ملك قد نزل لم ينزل إلى الأرض قط ، قال : فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فقال : أبشر بنورين أوتيتهما ، لم يؤتهما نبي قبلك ؛ فاتحة الكتاب ، وخواتيم سورة البقرة ، لن تقرأ حرفا منهما إلا أوتيتهما .
قال جماعة من العلماء : هذا الملك هو
إسرافيل .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006014لقد هبط علي ملك من السماء ما هبط على نبي قبلي ، ولا يهبط على أحد بعدي ، وهو إسرافيل فقال : أنا رسول ربك إليك ، أمرني أخبرك إن شئت نبيا عبدا وإن شئت نبيا ملكا ، فنظرت إلى جبريل ، فأومأ إلي أن تواضع ، فلو أني قلت نبيا ملكا لسارت الجبال معي ذهبا . وهاتان القضيتان بعد ابتداء الوحي بسنين كما يعرف من سائر طرق الأحاديث ، وهما ظاهران في أن
إسرافيل لم ينزل إليه قبل ذلك ، فكيف يصح قول
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي أنه أتاه في ابتداء الوحي ؟
الوجه الخامس : أنه قد أقمنا في " الإعلام " الدليل على ذلك عقبه ، وهو قول
ورقة :
جبريل أمين الله بينه وبين رسوله ، وقول
ابن سابط : فوكل
جبريل بالكتب والوحي إلى
[ ص: 205 ] الأنبياء .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16571عطاء بن السائب : أول ما يحاسب
جبريل ؛ لأنه كان أمين الله إلى رسله .
وميكائيل يتلقى الكتب ،
وإسرافيل بمنزلة الحاجب .
وقوله صلى الله عليه وسلم :
فأما جبريل فصاحب الحرب وصاحب المرسلين - الحديث ، وآثار أخر ، وقلنا في آخر الكلام : فعرف بمجموع هذه الآثار
اختصاص جبريل من بين سائر الملائكة بالوحي إلى الأنبياء ، أفما كان عند المعترض من الفطنة ما يهتدي به لصحة هذا الكلام أخذا من هذه الأدلة ؟ هذا آخر الجواب ، والله أعلم .