الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            [ ص: 197 ] ثم ظهر لي طريق رابع وهو أن عيسى عليه السلام إذا نزل يجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم في الأرض فلا مانع من أن يأخذ عنه ما احتاج إليه من أحكام شريعته ، ومستندي في هذا الطريق أمور :

            الأول : ما أخرجه أبو يعلى في مسنده عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : والذي نفسي بيده لينزلن عيسى ابن مريم ، ثم لئن قام على قبري فقال : يا محمد ، لأجيبنه .

            وأخرج ابن عساكر عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليهبطن الله عيسى ابن مريم حكما عدلا ، وإماما مقسطا ، فليسلكن فج الروحاء حاجا أو معتمرا ، وليقفن على قبري فليسلمن علي ، ولأردن عليه .

            الثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم في حياته كان يرى الأنبياء ويجتمع بهم في الأرض ، كما تقدم أنه رأى عيسى في الطواف ، وصح أنه صلى الله عليه وسلم مر على موسى وهو يصلي في قبره ، وصح أنه صلى الله عليه وسلم قال : الأنبياء أحياء يصلون ، فكذلك إذا نزل عيسى عليه السلام إلى الأرض يرى الأنبياء ويجتمع بهم ومن جملتهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فيأخذ عنه ما احتاج إليه من أحكام شريعته .

            الثالث : أن جماعة أئمة الشريعة نصوا على أن من كرامة الولي أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم ويجتمع به في اليقظة ، ويأخذ عنه ما قسم له من معارف ومواهب ، وممن نص على ذلك من أئمة الشافعية : الغزالي ، والبارزي ، والتاج ابن السبكي ، والعفيف اليافعي ، ومن أئمة المالكية القرطبي ، وابن أبي جمرة ، وابن الحاج في " المدخل " .

            وقد حكي عن بعض الأولياء أنه حضر مجلس فقيه ، فروى ذلك الفقيه حديثا ، فقال له الولي : هذا الحديث باطل ، فقال الفقيه : ومن أين لك هذا ؟ فقال : هذا النبي صلى الله عليه وسلم واقف على رأسك يقول : إني لم أقل هذا الحديث ، وكشف للفقيه فرآه ، وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي : لو حجبت عن النبي صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما عددت نفسي مع المسلمين .

            فإذا كان هذا حال الأولياء مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فعيسى النبي صلى الله عليه وسلم أولى بذلك أن يجتمع به في أي وقت شاء ، ويأخذ عنه ما أراد من أحكام شريعته من غير احتياج إلى اجتهاد ، ولا تقليد لحفاظ الحديث .

            الرابع : أنه روي عن أبي هريرة أنه لما أكثر الحديث وأنكر عليه الناس قال : لئن نزل عيسىابن مريم قبل أن أموت لأحدثنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيصدقني . فقوله : فيصدقني [ ص: 198 ] دليل على أن عيسى عليه السلام عالم بجميع سنة النبي صلى الله عليه وسلم من غير احتياج إلى أن يأخذها عن أحد من الأمة ، حتى إن أبا هريرة الذي سمع النبي صلى الله عليه وسلم احتاج إلى أن يلجأ إليه يصدقه فيما رواه ويزكيه ، هذا آخر الجواب ، ثم إن مولانا أمير المؤمنين وخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين ، وابن عم سيد المرسلين الإمام ، المتوكل على الله ، أعزه الله وأعز به الدين ، وهو الآمر بالكتابة أولا - أعاد الأمر ثانيا ، هل ثبت أن عيسى عليه السلام بعد نزوله يأتيه وحي ؟ والجواب : نعم ، روى مسلم ، وأحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وغيرهم ، من حديث النواس بن سمعان قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال - إلى أن قال - : فبينما هم على ذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم ، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق واضعا يده على أجنحة ملكين ، فيتبعه فيدركه ، فيقتله عند باب لد الشرقي ، فبينما هم كذلك أوحى الله إلى عيسىابن مريم أني قد أخرجت عبادا من عبادي لا يدان لك بقتالهم ، فحرر عبادي إلى الطور فيبعث الله يأجوج الحديث .

            فهذا صريح في أنه يوحى إليه بعد النزول ، والظاهر أن الجائي إليه بالوحي جبريل عليه السلام ، بل هو الذي يقطع به ولا يتردد فيه ؛ لأن ذلك وظيفته ، وهو السفير بين الله وبين أنبيائه ، لا يعرف ذلك لغيره من الملائكة .

            والدليل على ذلك ما أخرجه أبو نعيم في " دلائل النبوة " عن عائشة قالت : قال ورقة لخديجة : جبريل أمين الله بينه وبين رسله .

            وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره ، وأبو الشيخ بن حيان في " كتاب العظمة " ، عن ابن سابط قال : في أم الكتاب كل شيء هو كائن إلى يوم القيامة ، ووكل به ثلاثة من الملائكة ، فوكل جبريل بالكتب والوحي إلى الأنبياء ، ووكل أيضا بالهلكات إذا أراد الله أن يهلك قوما ، ووكله بالنصر عند القتال ، ووكل ميكائيل بالقطر والنبات ، ووكل ملك الموت بقبض الأنفس ، فإذا كان يوم القيامة عارضوا بين حفظهم وبين ما كان في أم الكتاب ، فيجدونه سواء .

            وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء بن السائب قال : أول من يحاسب جبريل ؛ لأنه كان أمين الله إلى رسله .

            وأخرج أبو الشيخ ، عن خالد بن أبي عمران قال : جبريل أمين الله إلى رسله . وميكائيل يتلقى الكتب ، وإسرافيل بمنزلة الحاجب .

            وأخرج أيضا عن عكرمة بن خالد : أن رجلا قال : يا رسول الله أي الملائكة أكرم على الله ؟ فقال : جبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، وملك الموت ، فأما جبريل فصاحب الحرب وصاحب المرسلين ، وأما ميكائيل فصاحب كل قطرة تسقط وكل ورقة تنبت ، وأما ملك الموت فهو موكل بقبض روح كل عبد في بر أو بحر ، وأما إسرافيل فأمين الله بينه وبينهم .

            [ ص: 199 ] وأخرج أيضا عن عبد العزيز بن عمير قال : اسم جبريل في الملائكة خادم ربه .

            وأخرج ابن أبي زمنين في " كتاب السنة " عن كعب قال : إذا أراد الله أن يوحي أمرا جاء اللوح المحفوظ حتى يصفق جبهة إسرافيل ، فيرفع رأسه فينظر ، فإذا الأمر مكتوب فينادي جبريل فيلبيه ، فيقول : أمرت بكذا أمرت بكذا ، فيهبط جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم ، فيوحي إليه .

            وأخرج أبو الشيخ عن أبي بكر الهذلي قال : إذا أمر الله بالأمر تدلت الألواح على إسرافيل بما فيها من أمر الله ، فينظر فيها إسرافيل ، ثم ينادي جبريل فيجيبه ، وذكر نحوه .

            وأخرج أيضا عن أبي سنان قال : اللوح المحفوظ معلق بالعرش ، فإذا أراد الله أن يوحي بشيء كتب في اللوح ، فيجيء اللوح حتى يقرع جبهة إسرافيل ، فينظر فيه ، فإن كان إلى أهل السماء دفعه إلى ميكائيل ، وإن كان إلى أهل الأرض دفعه إلى جبريل ، فأول ما يحاسب يوم القيامة اللوح ، يدعى به ترعد فرائصه ، فيقال له : هل بلغت ، فيقول : نعم ، فيقول : من يشهد لك ، فيقول إسرافيل ، فيدعى إسرافيل ترعد فرائصه ، فيقال له : هل بلغك اللوح ؟ فإذا قال نعم قال اللوح : الحمد لله الذي نجاني من سوء الحساب ، ثم كذلك .

            وأخرج أيضا عن وهيب بن الورد قال : إذا كان يوم القيامة دعي إسرافيل ترعد فرائصه ، فيقال : ما صنعت فيما أدى إليك اللوح ؟ فيقول : بلغت جبريل ، فيدعى جبريل ترعد فرائصه ، فيقال : ما صنعت فيما بلغك إسرافيل ؟ فيقول : بلغت الرسل فيؤتى بالرسل ، فيقال : ما صنعتم فيما أدى إليكم جبريل ؟ فيقولون : بلغنا الناس فهو قوله تعالى : ( فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين ) .

            وأخرج ابن المبارك في " الزهد " ، عن ابن أبي جبلة بسنده قال : أول من يدعى يوم القيامة إسرافيل ، فيقول الله : هل بلغت عهدي ؟ فيقول : نعم رب قد بلغت جبريل ، فيدعى جبريل ، فيقال : هل بلغك إسرافيل عهدي ؟ فيقول : نعم ، فيخلى عن إسرافيل ، فيقول لجبريل : ما صنعت في عهدي ؟ فيقول : يا رب بلغت الرسل . فيدعى الرسل ، فيقال لهم : هل بلغكم جبريل عهدي ؟ فيقولون : نعم ، فيخلى عن جبريل - الحديث .

            فعرف بمجموع هذه الآثار اختصاص جبريل من بين سائر الملائكة بالوحي إلى الأنبياء ، وعرف بها أيضا أنه إنما يتلقى الوحي عن الله بواسطة إسرافيل ، وقد كنا سئلنا عن ذلك منذ أيام .

            خاتمة : اشتهر على ألسنة الناس أن جبريل لا ينزل إلى الأرض بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا شيء لا أصل له . ومن الدليل على بطلانه ما أخرجه الطبراني في " الكبير " ، عن ميمونة [ ص: 200 ] بنت سعد قالت : قلت : يا رسول الله ، هل يرقد الجنب ؟ قال : ما أحب أن يرقد حتى يتوضأ ، فإني أخاف أن يتوفى فلا يحضره جبريل .

            فهذا الحديث يدل على أن جبريل ينزل إلى الأرض ، ويحضر موتة كل مؤمن حضره الموت وهو على طهارة .

            ثم وقفت على حديث آخر فيه نزول جبريل إلى الأرض ، وهو ما أخرجه نعيم بن حماد في " كتاب الفتن " ، والطبراني من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم في وصف الدجال قال : فيمر بمكة ، فإذا هو بخلق عظيم ، فيقول : من أنت ؟ فيقول : أنا ميكائيل بعثني الله لأمنعه من حرمه ، ويمر بالمدينة فإذا هو بخلق عظيم ، فيقول : من أنت ؟ فيقول : أنا جبريل بعثني الله لأمنعه من حرمه . ثم رأيت في قوله تعالى : ( تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم ) - الآية - عن الضحاك أن الروح هنا جبريل ، وأنه ينزل هو والملائكة في ليلة القدر ، ويسلمون على المسلمين ، وذلك في كل سنة ، وقد زعم زاعم أنعيسى ابن مريم إذا نزل لا يوحى إليه وحيا حقيقيا ، بل وحي إلهام ، وهذا القول ساقط مهمل ؛ لأمرين أحدهما : منابذته للحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما تقدم من صحيح مسلم وغيره ، وقد رواه الحاكم في المستدرك ، ولفظه : فبيناه كذلك إذ أوحى الله إليه : يا عيسى ، إني قد أخرجت عبادا لي لا يد لأحد بقتالهم ، حول عبادي إلى الطور . وقال : صحيح على شرط الشيخين ، وذلك صريح في أنه وحي حقيقي لا وحي إلهام ، والثاني : أن ما توهمه هذا الزاعم من تعذر الوحي الحقيقي فاسد ؛ لأن عيسى نبي ، فأي مانع من نزول الوحي إليه ، فإن تخيل في نفسه أن عيسى قد ذهب وصف النبوة عنه وانسلخ منه فهذا قول يقارب الكفر ؛ لأن النبي لا يذهب عنه وصف النبوة أبدا ولا بعد موته ، وإن تخيل اختصاص الوحي للنبي بزمن دون زمن فهو [ قول ] لا دليل عليه ، ويبطله ثبوت الدليل على خلافه ، وقد ألم السبكي بشيء مما ذكرناه ، فقال في تصنيف له : ما من نبي إلا أخذ الله عليه الميثاق أنه إن بعث محمد في زمانه ليؤمن به ولينصرنه ، ويوصي أمته بذلك ، وفي ذلك من التنويه بالنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيم قدره العلي ما لا يخفى ، وفيه مع ذلك أنه على تقدير مجيئه في زمانهم يكون مرسلا إليهم ، وتكون نبوته ورسالته عامة لجميع الخلق من زمن آدم إلى يوم القيامة ، وتكون الأنبياء وأممهم كلهم من أمته ، ويكون قوله : بعثت إلى الناس كافة لا يختص به الناس من زمانه إلى يوم القيامة ، بل يتناول من قبلهم أيضا - إلى أن قال : فالنبي صلى الله عليه وسلم هو نبي الأنبياء ، ولو اتفق مجيئه في زمن آدم ، ونوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، وجب عليهم وعلى [ ص: 201 ] أممهم الإيمان به ونصرته ، وبذلك أخذ الله الميثاق عليهم ، فنبوته عليهم ورسالته إليهم معنى حاصل له ، وإنما أمره يتوقف على اجتماعهم معه ، فلو وجد في عصرهم لزمهم اتباعه بلا شك ؛ ولهذا يأتي عيسى في آخر الزمان على شريعته ، وهو نبي كريم على حاله ، لا كما يظن بعض الناس أن يأتي واحدا من هذه الأمة ، نعم هو واحد من هذه الأمة بما قلناه أن اتباعه للنبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما يحكم بشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم بالقرآن والسنة ، وكل ما فيه من أمر أو نهي فهو متعلق به كما يتعلق بسائر الأمة ، وهو نبي كريم على حاله ، لم ينقص منه شيء .

            وكذلك لو بعث النبي صلى الله عليه وسلم في زمانه أو في زمان موسى وإبراهيم ونوح وآدم - كانوا مستمرين على نبوتهم ورسالتهم إلى أممهم ، والنبي صلى الله عليه وسلم نبي عليهم ورسول إلى جميعهم ، فنبوته ورسالته أعم وأشمل وأعظم ، هذا كلام السبكي [ بحروفه ] ، فعرف بذلك أنه لا تنافي بين كونه ينزل متبعا للنبي صلى الله عليه وسلم وبين كونه باقيا على نبوته ، ويأتيه جبريل بما شاء الله من الوحي ، والله أعلم .

            قال زاعم : الوحي في حديث مسلم مؤول بوحي الإلهام . قلت : قال أهل الأصول : التأويل صرف اللفظ عن ظاهره لدليل ، فإن لم يكن لدليل فلعب لا تأويل ، ولا دليل على هذا فهو لعب بالحديث .

            قال زاعم : الدليل عليه حديث " لا وحي بعدي " قلنا : هذا الحديث بهذا اللفظ باطل .

            قال زاعم : الدليل عليه حديث " لا نبي بعدي " قلنا : يا مسكين لا دلالة في هذا الحديث على ما ذكرت بوجه من الوجوه ؛ لأن المراد لا يحدث بعده بعث نبي بشرع ينسخ شرعه كما فسره بذلك العلماء ، ثم يقال لهذا الزاعم : هل أنت آخذ بظاهر الحديث من غير حمل على المعنى المذكور ، فيلزمك عليه أحد أمرين : إما نفي نزول عيسى ، أو نفي النبوة عنه وكلاهما كفر ؟ ثم بعد مدة من كتابتي لهذا الجواب وقفت على سؤال رفع إلى شيخ الإسلام ابن حجر ، صورته : ما قولكم في قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ينزل عيسى ابن مريم في آخر الزمان حكما . فهل ينزل عيسى عليه السلام حافظا لكتاب الله القرآن العظيم ، ولسنة نبينا صلى الله عليه وسلم ، أو يتلقى الكتاب والسنة عن علماء ذلك الزمان ويجتهد فيها ؟ وما الحكم في ذلك ؟ فأجاب بما نصه ومن خطه نقلت : لم ينقل لنا في ذلك شيء صريح ، والذي يليق بمقام عيسى عليه الصلاة والسلام أنه يتلقى ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيحكم في أمته بما تلقاه عنه ؛ لأنه في الحقيقة خليفة عنه ، والله أعلم .

            [ ص: 202 ] ( تنبيه ) : ويشبه هذا ما بلغني عن بعض المنكرين أنه أنكر ما ورد من أن عيسى عليه السلام إذا نزل يصلي خلف المهدي صلاة الصبح ، وأنه صنف في إنكار ذلك كتابا ، وقال في توجيه ذلك : إن النبي صلى الله عليه وسلم أجل مقاما من أن يصلي خلف غير نبي ، وهذا من أعجب العجب ، فإن صلاة عيسى خلف المهدي ثابتة في عدة أحاديث صحيحة بأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو الصادق المصدوق الذي لا يخلف خبره ، من ذلك ما رواه أحمد في مسنده ، والحاكم في " المستدرك " وصححه عن عثمان بن أبي العاص ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول . . . فذكر الحديث وفيه : فينزل عيسى عند صلاة الفجر ، فيقول له أمير الناس ، تقدم يا روح الله فصل بنا ، فيقول : إنكم معشر هذه الأمة أمراء بعضكم على بعض ، تقدم أنت فصل بنا ، فيتقدم فيصلي بهم ، فإذا انصرف أخذ عيسى حربته نحو الدجال .

            وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم وإمامكم منكم . وفي " مسند أحمد " ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يخرج الدجال . . . فذكر الحديث إلى أن قال : فإذا هم بعيسى ، فتقام الصلاة ، فيقال له : تقدم يا روح الله ، فيقول : ليتقدم إمامكم ... الحديث .

            وفي " مسند أبي يعلى " عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ، حتى ينزل عيسى ابن مريم ، فيقول إمامهم : تقدم ، فيقول : أنت أحق ، بعضكم أمراء على بعض ، أكرم الله به هذه الأمة .

            وروى أبو داود وابن ماجه عن أبي أمامة الباهلي قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثنا عن الدجال - فذكر الحديث إلى أن قال : وإمامهم رجل صالح ، فبينما إمامهم قد تقدم يصلي الصبح ، إذ نزل عليهم عيسى ابن مريم الصبح ، فرجع ذلك الإمام يمشي القهقرى ليتقدم عيسى يصلي ، فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول له : تقدم فصل ، فإنها لك أقيمت ، فيصلي بهم إمامهم ، فإذا انصرف قال عيسى : أقيموا الباب ، فيفتح ووراءه الدجال .

            وروى مسلم ، عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ، ظاهرين إلى يوم القيامة ، قال : فينزل عيسى ابن مريم ، فيقول أميرهم : تعال صل بنا ، فيقول : لا ، إن بعضكم على بعض أمين ، تكرمة الله هذه الأمة . وقول هذا المنكر : إن النبي أجل مقاما من أن يصلي خلف غير نبي - جوابه : أن نبينا صلى الله عليه وسلم أجل الأنبياء مقاما وأرفعهم درجة ، وقد صلى خلف عبد الرحمن بن عوف مرة ، وخلف أبي بكر الصديق أخرى ، [ ص: 203 ] وقال : إنه لم يمت نبي حتى يصلي خلف رجل من أمته . ثبت ذلك في أحاديث صحيحة ، فكيف يتجه لهذا المنكر أن يقول هذا الكلام بعد ذلك ؟ ولست أعجب من إنكار من لا يعرف ، إنما أعجب من إقدامه على تسطير ذلك في ورق يخلد بعده ويسطر في صحيفته . ثم رأيت في مصنف ابن أبي شيبة : ثنا أبو أسامة ، عن هشام عن ابن سيرين ، قال : المهدي من هذه الأمة ، وهو الذي يؤم عيسى ابن مريم عليه السلام .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية