مسألة :
قول الشاعر :
ومستودع عندي حديثا يخاف من إذاعته في الناس أن ينفد العمر
هل يجوز أن يقدر فيه " إلى " ; لأن المعنى ينحل إلى أن المودع يخاف إذاعة سره في الناس ما دام حيا إلى حين نفاد عمره ، أو يمتنع تقدير " إلى " ؟ وقول الآخر :
[ ص: 330 ] ومودع سره عندي ويحذر أن أبديه مني إلى أن ينفد العمر
هل دخول " إلى " في هذا البيت ممتنع ؟ وإذا لم يمتنع فهل يجوز أن يكون هذا البيت شاهدا على تقدير " إلى " في البيت الأول ؟
الجواب : البيت الأول وإن أمكن أن يقدر فيه " إلى " على بعد ، لكن الأظهر أن لا تقدر فيه ; لأن " أن ينفد " في محل مفعول " يخاف " ، فمتى قدر فيه " إلى " لزم كونه " يخاف " بلا مفعول ، فيصير المعنى ركيكا ; ولأن تقدير إلى التي هي لانتهاء الغاية لا تكون إلا بعد تقدم " من " التي هي لابتداء الغاية ، والبيت خال منها ، فيكون تقديرها من حيث اللفظ ركيكا ، فلما اجتمع في تقديرها ركاكة اللفظ والمعنى ، وجب العدول عنه . وأما البيت الثاني فمفعول " يحذر " موجود ، وهو أن وصلتها ، وابتداء الغاية موجود ، وهو " متى " ، فجاز أن يقابل ب " إلى " ، وكل بيت له معنى يخصه أوجب ذلك ، ثم تذكرت قاعدة في العربية تقتضي أن البيت الأول لا يجوز تقدير " إلى " فيه بوجه من الوجوه ; وذلك أن النحاة نصوا على أن إن وأن المصدريتين لا يحذف معهما من حروف الجر إلا ما دل عليه الفعل السابق ; لكونه يعدى بذلك الحرف ، فيقال مثلا : عجبت أن تقوم ، فيقدر " من " لأن عجبت يتعدى بمن . وفرحت أن تقوم ، فتقدر الباء ; لأن " فرح " يتعدى بالباء . ورغبت أن تجيء ، فيقدر " في " ; لأن " رغبت " يتعدى بفي . وهذا البيت فيه من الأفعال " يخاف " وهو إنما يتعدى بمن لا بإلى ، " ومن " المعدية له موجودة ، فلا يجوز تقدير " إلى " فيما بعده ; لأن الفعل لا يدل عليها ، وهذه قاعدة نفيسة ينبغي أن تحفظ .