الحكم الثالث عشر
عدة الوفاة
(
والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير )
قوله تعالى (
والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : يتوفون معناه يموتون ويقبضون ، قال الله تعالى : (
الله يتوفى الأنفس حين موتها ) [الزمر : 42] وأصل التوفي أخذ الشيء وافيا كاملا، فمن مات فقد وجد عمره وافيا كاملا، ويقال : توفي فلان وتوفى : إذا مات، فمن قال : توفي ، كان معناه قبض وأخذ ، ومن قال : توفى ، كان معناه توفى أجله واستوفى أجله وعمره ، وعليه قراءة
علي عليه السلام : (يتوفون) بفتح الياء.
وأما قوله : (
ويذرون ) معناه : يتركون، ولا يستعمل منه الماضي ولا المصدر استغناء عنه بترك تركا، ومثله يدع في رفض مصدره وماضيه، فهذان الفعلان العابر والأمر منهما موجودان، يقال : فلان يدع كذا ويذر ، ويقال : دعه وذره ، أما الماضي والمصدر فغير موجودين منهما . والأزواج هاهنا النساء ، والعرب تسمي الرجل زوجا وامرأته زوجا له، وربما ألحقوا بها الهاء.
المسألة الثانية : قوله : (
والذين ) مبتدأ ولا بد له من خبر، واختلفوا في خبره على أقوال :
الأول : أن المضاف محذوف والتقدير : وأزواج الذين يتوفون منكم يتربصن .
والثاني ، وهو قول
الأخفش ، التقدير : يتربصن بعدهم ، إلا أنه أسقط لظهوره ؛ كقوله : السمن منوان بدرهم ، وقوله تعالى :
[ ص: 108 ] (
ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ) [الشورى : 43] .
والثالث، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد : والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا، أزواجهم يتربصن. قال : وإضمار المبتدأ ليس بغريب ؛ قال تعالى : (
قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار ) [الحج : 72] يعني هو النار، وقوله : (
فصبر جميل ) [يوسف : 18].
فإن قيل : أنتم أضمرتم هاهنا مبتدأ مضافا، وليس ذلك شيئا واحدا بل شيئان، والأمثلة التي ذكرتم المضمر فيها شيء واحد.
قلنا : كما ورد إضمار المبتدأ المفرد، فقد ورد أيضا إضمار المبتدأ المضاف، قال تعالى : (
لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ) [آل عمران : 197] والمعنى : تقلبهم متاع قليل .
الرابع : وهو قول
الكسائي والفراء، أن قوله تعالى : (
والذين يتوفون منكم ) مبتدأ، إلا أن الغرض غير متعلق هاهنا ببيان حكم عائد إليهم، بل ببيان حكم عائد إلى أزواجهم، فلا جرم لم يذكر لذلك المبتدأ خبرا، وأنكر
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد والزجاج ذلك؛ لأن مجيء المبتدأ بدون الخبر محال.