أما قوله : (
ولا يحيطون بشيء من علمه ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : المراد بالعلم ههنا المعلوم كما يقال : اللهم اغفر لنا علمك فينا ، أي : معلومك ؛ وإذا ظهرت آية عظيمة قيل : هذه قدرة الله ، أي : مقدوره ، والمعنى : أن أحدا لا يحيط بمعلومات الله تعالى .
[ ص: 11 ] المسألة الثانية : احتج بعض الأصحاب بهذه الآية في إثبات
صفة العلم لله تعالى وهو ضعيف لوجوه :
أحدها : أن كلمة " من " للتبعيض ، وهي داخلة ههنا على العلم ، فلو كان المراد من العلم نفس الصفة لزم دخول التبعيض في صفة الله تعالى وهو محال .
والثاني : أن قوله (
بما شاء ) لا يأتي في العلم إنما يأتي في المعلوم .
والثالث : أن الكلام إنما وقع ههنا في المعلومات ، والمراد أنه تعالى عالم بكل المعلومات ، والخلق لا يعلمون كل المعلومات ، بل لا يعلمون منها إلا القليل .
المسألة الثالثة : قال
الليث : يقال لكل من أحرز شيئا أو بلغ علمه أقصاه : قد أحاط به ، وذلك لأنه لما علم بأول الشيء وآخره بتمامه صار العلم كالمحيط به .
أما قوله : (
إلا بما شاء ) ففيه قولان :
أحدهما : أنهم لا يعلمون شيئا من معلوماته إلا ما شاء هو أن يعلمهم كما حكى عنهم أنهم قالوا : (
لا علم لنا إلا ما علمتنا ) [البقرة : 32] .
والثاني : أنهم لا يعلمون الغيب إلا عند إطلاع الله بعض أنبيائه على بعض الغيب ، كما قال : (
فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول ) [الجن : 27] .