المسألة الرابعة : في الآية إشكال ، وهو أنه تعالى قال : (
خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ) فهذا يقتضي أن يكون
خلق آدم متقدما على قول الله له : " كن " وذلك غير جائز .
وأجاب عنه من وجوه :
الأول : قال
أبو مسلم : قد بينا أن الخلق هو التقدير والتسوية ، ويرجع معناه إلى علم الله تعالى بكيفية وقوعه وإراداته لإيقاعه على الوجه المخصوص ، وكل ذلك متقدم على وجود
آدم - عليه السلام - تقدما من الأزل إلى الأبد ، وأما قوله ( كن ) فهو عبارة عن إدخاله في الوجود ، فثبت أن خلق
آدم متقدم على قوله ( كن ) .
والجواب الثاني : وهو الذي عول عليه القاضي أنه تعالى خلقه من الطين ثم قال له ( كن ) ، أي أحياه كما قال : (
ثم أنشأناه خلقا آخر ) [ المؤمنون : 14 ] ، فإن قيل الضمير في قوله : "خلقه" راجع إلى
آدم وحين كان ترابا لم يكن
آدم - عليه السلام - موجودا .
أجاب القاضي وقال : بل كان موجودا وإنما وجد بعد حياته ، وليست الحياة نفس
آدم ، وهذا ضعيف ؛ لأن
[ ص: 68 ] آدم - عليه السلام - ليس عبارة عن مجرد الأجسام المشكلة بالشكل المخصوص ، بل هو عبارة عن هوية أخرى مخصوصة وهي : إما المزاج المعتدل ، أو النفس . وينجر الكلام من هذا البحث إلى أن النفس ما هي ، ولا شك أنها من أغمض المسائل .
الجواب : الصحيح أن يقال : لما كان ذلك الهيكل بحيث سيصير
آدم عن قريب سماه
آدم - عليه السلام - قبل ذلك ، تسمية لما سيقع بالواقع .
والجواب الثالث : أن قوله (
ثم قال له كن فيكون ) يفيد تراخي هذا الخبر عن ذلك الخبر كما في قوله تعالى : (
ثم كان من الذين آمنوا ) ، ويقول القائل : أعطيت زيدا اليوم ألفا ثم أعطيته أمس ألفين ، ومراده : أعطيته اليوم ألفا ، ثم أنا أخبركم أني أعطيته أمس ألفين ، فكذا قوله : (
خلقه من تراب ) أي صيره خلقا سويا ثم إنه يخبركم أني إنما خلقته بأن قلت له : " كن " .
المسألة الخامسة : في الآية إشكال آخر وهو أنه كان ينبغي أن يقال : ثم قال له كن فكان فلم يقل كذلك بل قال : ( كن فيكون ) .
والجواب : تأويل الكلام ، ثم قال له ( كن فيكون ) فكان .
واعلم يا
محمد أن ما قال له ربك : " كن " فإنه يكون لا محالة .