المسألة السادسة :
قوله ( ثم نبتهل ) أي نتباهل ، كما يقال اقتتل القوم وتقاتلوا واصطحبوا وتصاحبوا ، والابتهال فيه وجهان :
أحدهما : أن الابتهال هو الاجتهاد في الدعاء ، وإن لم يكن باللعن ، ولا يقال : ابتهل في الدعاء إلا إذا كان هناك اجتهاد .
والثاني : أنه مأخوذ من قولهم عليه بهلة الله ، أي لعنته ، وأصله مأخوذ مما
[ ص: 73 ] يرجع إلى معنى اللعن ؛ لأن معنى اللعن هو الإبعاد والطرد ، وبهله الله : أي لعنه وأبعده من رحمته من قولك أبهله إذا أهمله وناقة باهل لا صرار عليها ، بل هي مرسلة مخلاة ، كالرجل الطريد المنفي ، وتحقيق معنى الكلمة : أن البهل إذا كان هو الإرسال والتخلية فكان من بهله الله فقد خلاه الله ، ووكله إلى نفسه ، ومن وكله إلى نفسه فهو هالك لا شك فيه ، فمن باهل إنسانا ، فقال : علي بهلة الله إن كان كذا ، يقول : وكلني الله إلى نفسي ، وفرضني إلى حولي وقوتي ، أي من كلاءته وحفظه ، كالناقة الباهل التي لا حافظ لها في ضرعها ، فكل من شاء حلبها وأخذ لبنها لا قوة لها في الدفع عن نفسها ، ويقال أيضا : رجل باهل ، إذا لم يكن معه عصا ، وإنما معناه أنه ليس معه ما يدفع عن نفسه ، والقول الأول أولى ؛ لأنه يكون قوله : ( ثم نبتهل ) أي ثم نجتهد في الدعاء ونجعل اللعنة على الكاذب ، وعلى القول الثاني يصير التقدير : ثم نبتهل ، أي ثم نلتعن : (
فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) وهي تكرار .