المسألة الثالثة : اتفق الأكثرون على أن الزاد والراحلة شرطان لحصول الاستطاعة ، روى جماعة من الصحابة عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه فسر استطاعة السبيل إلى الحج بوجود الزاد والراحلة ، وروى
القفال عن
جويبر عن
الضحاك أنه قال : إذا كان شابا صحيحا ليس له مال فعليه أن يؤاجر نفسه حتى يقضي حجه ، فقال له قائل : أكلف الله الناس أن يمشوا إلى البيت ؟ فقال : لو كان لبعضهم ميراث
بمكة أكان يتركه ؟ قال : لا بل ينطلق إليه ولو حبوا ، قال : فكذلك يجب عليه حج البيت ، عن
عكرمة أيضا أنه قال : الاستطاعة هي صحة البدن ، وإمكان المشي إذا لم يجد ما يركبه .
واعلم أن كل من كان صحيح البدن قادرا على المشي إذا لم يجد ما يركب فإنه يصدق عليه أنه يستطيع لذلك الفعل ، فتخصيص هذه الاستطاعة بالزاد والراحلة ترك لظاهر اللفظ ، فلا بد فيه من دليل منفصل ، ولا
[ ص: 134 ] يمكن التعويل في ذلك على الأخبار المروية في هذا الباب لأنها أخبار آحاد ، فلا يترك لأجلها ظاهر الكتاب لا سيما وقد طعن
nindex.php?page=showalam&ids=16935محمد بن جرير الطبري في رواة تلك الأخبار ، وطعن فيها من وجه آخر وهو أن حصول الزاد والراحلة لا يكفي في حصول الاستطاعة ، فإنه يعتبر في حصول
الاستطاعة صحة البدن وعدم الخوف في الطريق ، وظاهر هذه الأخبار يقتضي أن لا يكون شيء من ذلك معتبرا ، فصارت هذه الأخبار مطعونا فيها من هذا الوجه بل يجب أن يعول في ذلك على ظاهر قوله تعالى : (
وما جعل عليكم في الدين من حرج ) [ الحج : 78 ] وقوله : (
يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) [ البقرة : 185 ] .