ثم قال تعالى : (
وحرض المؤمنين ) والمعنى أن
الواجب على الرسول عليه الصلاة والسلام إنما هو الجهاد وتحريض الناس في الجهاد ، فإن أتى بهذين الأمرين فقد خرج عن عهدة التكليف وليس عليه من كون غيره تاركا للجهاد شيء .
ثم قال :
( عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : عسى : حرف من حروف المقاربة وفيه ترج وطمع ، وذلك على الله تعالى محال .
والجواب عنه أن " عسى " معناها الإطماع ، وليس في الإطماع أنه شك أو يقين ، وقال بعضهم : إطماع الكريم إيجاب .
المسألة الثانية : الكف المنع ، والبأس أصله المكروه ، يقال ما عليك من هذا الأمر بأس أي مكروه ، ويقال بئس الشيء هذا إذا وصف بالرداءة ، وقوله : (
بعذاب بئيس ) [ الأعراف : 165 ] أي مكروه ، والعذاب قد يسمى بأسا لكونه مكروها ، قال تعالى : (
فمن ينصرنا من بأس الله ) [ غافر : 29 ] (
فلما أحسوا بأسنا ) [ الأنبياء : 12 ] (
فلما رأوا بأسنا ) [ غافر : 84 ] قال المفسرون : عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا ، وقد كف بأسهم ، فقد بدا
لأبي سفيان وقال هذا عام مجدب وما كان معهم زاد إلا السويق ، فترك الذهاب إلى محاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثم قال تعالى : (
والله أشد بأسا وأشد تنكيلا ) يقال : نكلت فلانا إذا عاقبته عقوبة تنكل غيره عن ارتكاب مثله ، من قولهم : نكل الرجل عن الشيء إذا جبن عنه وامتنع منه ، قال تعالى : (
فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها ) [ البقرة : 66 ] وقال في السرقة : (
بما كسبا نكالا من الله ) [ المائدة : 38 ] ويقال : نكل فلان عن اليمين إذا خافه ولم يقدم عليه .
إذا عرفت هذا فنقول : الآية دالة على أن عذاب الله وتنكيله أشد من عذاب غيره ومن تنكيله ، وأقبل الوجوه في بيان هذا التفاوت أن عذاب غير الله لا يكون دائما ، وعذاب الله دائم في الآخرة ، وعذاب غير الله قد يخلص الله منه ، وعذاب الله لا يقدر أحد على التخلص منه ، وأيضا عذاب غير الله لا يكون إلا من وجه واحد ، وعذاب الله قد يصل إلى جميع الأجزاء والأبعاض والروح والبدن .