[ ص: 10 ] (
وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون )
ثم قال تعالى : (
وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ) قرأ
حمزة ( ليحكم ) بكسر اللام وفتح الميم ، جعل اللام متعلقة بقوله (
وآتيناه الإنجيل ) لأن إيتاء الإنجيل إنزال ذلك عليه ، فكان المعنى آتيناه الإنجيل ليحكم ، وأما الباقون فقرأوا بجزم اللام والميم على سبيل الأمر ، وفيه وجهان :
الأول : أن يكون التقدير : وقلنا ليحكم أهل الإنجيل ، فيكون هذا إخبارا عما فرض عليهم في ذلك الوقت من الحكم بما تضمنه الإنجيل ، ثم حذف القول لأن ما قبله من قوله ( وكتبنا ) ( وقفينا ) يدل عليه ، وحذف القول كثير كقوله تعالى : (
والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم ) [الرعد : 23] أي يقولون سلام عليكم .
والثاني : أن يكون قوله ( وليحكم ) ابتداء أمر
للنصارى بالحكم بما في الإنجيل .
فإن قيل :
كيف جاز أن يؤمروا بالحكم بما في الإنجيل بعد نزول القرآن ؟
قلنا : الجواب عنه من وجوه :
الأول : أن المراد ليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه من الدلائل الدالة على نبوة
محمد صلى الله عليه وسلم وهو قول
الأصم .
والثاني : وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه مما لم يصر منسوخا بالقرآن .
والثالث : المراد من قوله : (
وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ) زجرهم عن تحريف ما في الإنجيل وتغييره مثل ما فعله
اليهود من إخفاء أحكام التوراة ، فالمعني بقوله : ( وليحكم ) أي وليقر أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه على الوجه الذي أنزله الله فيه من غير تحريف ولا تبديل .
ثم قال تعالى : (
ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) واختلف المفسرون ، فمنهم من جعل هذه الثلاثة ، أعني قوله : ( الكافرون ، الظالمون ، الفاسقون ) صفات لموصوف واحد .
قال القفال : وليس في إفراد كل واحد من هذه الثلاثة بلفظ ما يوجب القدح في المعنى ، بل هو كما يقال : من أطاع الله فهو المؤمن ، من أطاع الله فهو البر ، من أطاع الله فهو المتقي ; لأن كل ذلك صفات مختلفة حاصلة لموصوف واحد .
وقال آخرون : الأول في الجاحد ، والثاني والثالث في المقر التارك ، وقال
الأصم : الأول والثاني في
اليهود ، والثالث في
النصارى .