ثم قال تعالى : (
فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم )
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : ظاهر الآية يدل على أنهم إنما استحقوا ذلك الثواب بمجرد القول ; لأنه تعالى قال : (
فأثابهم الله بما قالوا ) وذلك غير ممكن ; لأن مجرد القول لا يفيد الثواب .
المسألة الثانية : الآية دالة على أن
المؤمن الفاسق لا يبقى مخلدا في النار ، وبيانه من وجهين :
الأول : أنه تعالى قال : (
وذلك جزاء المحسنين ) وهذا الإحسان لا بد وأن يكون هو الذي تقدم ذكره من المعرفة وهو قوله : (
مما عرفوا من الحق ) [المائدة : 83] ، ومن الإقرار به ، وهو قوله : (
فأثابهم الله بما قالوا ) وإذا كان كذلك ، فهذه الآية دالة على أن هذه المعرفة وهذا الإقرار يوجب أن يحصل له هذا الثواب ، وصاحب الكبيرة له هذه المعرفة وهذا الإقرار ، فوجب أن يحصل له هذا الثواب ، فأما أن ينقل من الجنة إلى النار وهو باطل بالإجماع ، أو يقال : يعاقب على ذنبه ثم ينقل إلى الجنة وذلك هو المطلوب .
الثاني : هو أنه تعالى قال : (
والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم ) ، فقوله : (
أولئك أصحاب الجحيم ) يفيد الحصر ، أي : أولئك أصحاب الجحيم لا غيرهم ، والمصاحب للشيء هو الملازم له الذي لا ينفك عنه ، فهذا يقتضي تخصيص هذا الدوام بالكفار ، فصارت هذه الآية من هذين الوجهين من أقوى الدلائل على أن الخلود في النار لا يحصل للمؤمن الفاسق .