وأما قوله تعالى : (
وأجل مسمى عنده ) .
فاعلم أن صريح هذه الآية يدل على
حصول أجلين لكل إنسان ، واختلف المفسرون في تفسيرهما على وجوه :
الأول : قال
أبو مسلم : قوله : (
ثم قضى أجلا ) المراد منه آجال الماضين من الخلق ، وقوله : (
وأجل مسمى عنده ) المراد منه آجال الباقين من الخلق فهو خص هذا الأجل الثاني بكونه مسمى عنده ؛ لأن الماضين لما ماتوا صارت آجالهم معلومة ، أما الباقون فهم بعد لم يموتوا فلم تصر آجالهم معلومة ، فلهذا المعنى قال : (
وأجل مسمى عنده ) .
والثاني : أن الأجل الأول هو أجل الموت والأجل المسمى عند الله هو أجل القيامة ؛ لأن مدة حياتهم في الآخرة لا آخرة لها ولا انقضاء ولا يعلم أحد كيفية الحال في هذا الأجل إلا الله سبحانه وتعالى .
والثالث : الأجل الأول ما بين أن يخلق إلى أن يموت ، والثاني ما بين الموت والبعث وهو البرزخ .
والرابع : أن الأول هو النوم ، والثاني الموت .
والخامس : أن الأجل الأول مقدار ما انقضى من عمر كل أحد ، والأجل الثاني مقدار ما بقي من عمر كل أحد .
والسادس : وهو قول حكماء الإسلام أن لكل إنسان أجلين :
أحدهما : الآجال الطبيعية .
والثاني : الآجال الاخترامية ، أما الآجال الطبيعية : فهي التي لو بقي ذلك المزاج مصونا من العوارض الخارجية لانتهت مدة بقائه إلى الوقت الفلاني ، وأما الآجال الاخترامية : فهي التي تحصل بسبب من الأسباب الخارجية كالغرق والحرق ولدغ الحشرات وغيرها من الأمور المعضلة ، وقوله : (
مسمى عنده ) أي معلوم عنده أو مذكور اسمه في اللوح المحفوظ ، ومعنى عنده شبيه بما يقول الرجل في المسألة : عندي أن الأمر كذا وكذا أي هذا اعتقادي وقولي .
فإن قيل : المبتدأ النكرة إذا كان خبره ظرفا وجب تأخيره فلم جاز تقديمه في قوله : (
وأجل مسمى عنده ) ؟
[ ص: 128 ] قلنا : لأنه تخصص بالصفة فقارب المعرفة كقوله : (
ولعبد مؤمن خير من مشرك ) .
وأما قوله : (
ثم أنتم تمترون ) فنقول : المرية والامتراء هو الشك .
واعلم أنا إن قلنا : المقصود من ذكر هذا الكلام
الاستدلال على وجود الصانع كان معناه أن بعد ظهور مثل هذه الحجة الباهرة : أنتم تمترون في صحة التوحيد ، وإن كان المقصود تصحيح
القول بالمعاد ، فكذلك والله أعلم .