ثم قال تعالى : (
بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : معنى " بل " ههنا رد كلامهم ، والتقدير : أنهم ما تمنوا العود إلى الدنيا ، وترك التكذيب ، وتحصيل الإيمان لأجل كونهم راغبين في الإيمان ، بل لأجل خوفهم من العقاب الذي شاهدوه
[ ص: 160 ] وعاينوه . وهذا يدل على أن الرغبة في الإيمان والطاعة لا تنفع إلا إذا كانت تلك الرغبة رغبة فيه ، لكونه إيمانا وطاعة ، فأما الرغبة فيه لطلب الثواب ، والخوف من العقاب فغير مفيد .
المسألة الثانية : المراد من الآية : أنه ظهر لهم في الآخرة ما أخفوه في الدنيا . وقد اختلفوا في ذلك الذي أخفوه على وجوه :
الأول : قال
أبو روق : إن
المشركين في بعض مواقف القيامة يجحدون الشرك فيقولون : (
والله ربنا ما كنا مشركين ) فينطق الله جوارحهم فتشهد عليهم بالكفر ، فذلك حين بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل . قال
الواحدي : وعلى هذا القول أهل التفسير .
الثاني : قال
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد : بدا لهم وبال عقائدهم وأعمالهم وسوء عاقبتها ، وذلك لأن كفرهم ما كان باديا ظاهرا لهم ، لأن مضار كفرهم كانت خفية ، فلما ظهرت يوم القيامة لا جرم قال الله تعالى : (
بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ) .
الثالث : قال
الزجاج : بدا للأتباع ما أخفاه الرؤساء عنهم من أمر البعث والنشور . قال : والدليل على صحة هذا القول أنه تعالى ذكر عقيبه : (
وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين ) وهذا قول
الحسن .
الرابع : قال بعضهم : هذه الآية في المنافقين ، وقد كانوا يسرون الكفر ويظهرون الإسلام ، وبدا لهم يوم القيامة وظهر بأن عرف غيرهم أنهم كانوا من قبل منافقين .
الخامس : قيل بدا لهم ما كان علماؤهم يخفون من جحد نبوة الرسول ونعته وصفته في الكتب والبشارة به ، وما كانوا يحرفونه من التوراة مما يدل على ذلك .
واعلم أن اللفظ محتمل لوجوه كثيرة . والمقصود منها بأسرها أنه ظهرت فضيحتهم في الآخرة وانتهكت أستارهم . وهو معنى قوله تعالى : (
يوم تبلى السرائر ) [ الطارق : 9 ] .