المسألة الثالثة : ظاهر هذه الآية يدل على أن
اسم والد إبراهيم هو آزر ، ومنهم من قال : اسمه تارح . قال
الزجاج : لا خلاف بين النسابين أن اسمه
تارح ، ومن الملحدة من جعل هذا طعنا في القرآن . وقال : هذا النسب خطأ وليس بصواب ، وللعلماء ههنا مقامان :
المقام الأول : أن اسم والد
إبراهيم - عليه السلام - هو
آزر ، وأما قولهم : أجمع النسابون على أن اسمه كان
تارح ؛ فنقول هذا ضعيف لأن ذلك الإجماع إنما حصل لأن بعضهم يقلد بعضا ، وبالآخرة يرجع ذلك الإجماع إلى قول الواحد والاثنين مثل قول
وهب وكعب وغيرهما ، وربما تعلقوا بما يجدونه من أخبار
اليهود والنصارى ، ولا عبرة بذلك في مقابلة صريح القرآن .
المقام الثاني : سلمنا أن اسمه كان
تارح ثم لنا ههنا وجوه :
الوجه الأول : لعل والد
إبراهيم كان مسمى بهذين الاسمين ، فيحتمل أن يقال : إن اسمه الأصلي كان
آزر وجعل
تارح لقبا له ، فاشتهر هذا اللقب وخفي الاسم . فالله تعالى ذكره بالاسم ، ويحتمل أن يكون بالعكس ، وهو أن
تارح كان اسما أصليا ،
وآزر كان لقبا غالبا . فذكره الله تعالى بهذا اللقب الغالب .
[ ص: 32 ]
الوجه الثاني : أن يكون لفظة
آزر صفة مخصوصة في لغتهم ، فقيل : إن
آزر اسم ذم في لغتهم وهو المخطئ كأنه قيل ، وإذ قال
إبراهيم لأبيه المخطئ ؛ كأنه عابه بزيغه وكفره وانحرافه عن الحق ، وقيل :
آزر هو الشيخ الهرم بالخوارزمية ، وهو أيضا فارسية أصلية .
واعلم أن هذين الوجهين إنما يجوز المصير إليهما عند من يقول بجواز اشتمال القرآن على ألفاظ قليلة من غير لغة العرب .
والوجه الثالث : أن
آزر كان اسم صنم يعبده والد
إبراهيم ، وإنما سماه الله بهذا الاسم لوجهين :
أحدهما : أنه جعل نفسه مختصا بعبادته ومن بالغ في محبة أحد فقد يجعل اسم المحبوب اسما للمحب . قال الله تعالى : (
يوم ندعوا كل أناس بإمامهم ) [ الإسراء : 71 ] .
وثانيها : أن يكون المراد عابد
آزر فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه .
الوجه الرابع : أن والد
إبراهيم - عليه السلام - كان
تارح ،
وآزر كان عما له ، والعم قد يطلق عليه اسم الأب ، كما حكى الله تعالى عن أولاد
يعقوب أنهم قالوا : (
نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ) [ البقرة : 133 ] ومعلوم أن
إسماعيل كان عما
ليعقوب . وقد أطلقوا عليه لفظ الأب فكذا ههنا .
واعلم أن هذه التكلفات إنما يجب المصير إليها لو دل دليل باهر على أن والد
إبراهيم ما كان اسمه
آزر ، وهذا الدليل لم يوجد البتة ، فأي حاجة تحملنا على هذه التأويلات ، والدليل القوي على صحة أن الأمر على ما يدل عليه ظاهر هذه الآية ، أن
اليهود والنصارى والمشركين كانوا في غاية الحرص على تكذيب الرسول - عليه الصلاة والسلام - وإظهار بغضه ، فلو كان هذا النسب كذبا لامتنع في العادة سكوتهم عن تكذيبه وحيث لم يكذبوه علمنا أن هذا النسب صحيح والله أعلم .