أما قوله : (
قال ياقوم إني بريء مما تشركون ) فالمعنى أنه لما ثبت بالدليل أن هذه الكواكب لا تصلح للربوبية والإلهية ، لا جرم تبرأ من الشرك .
ولقائل أن يقول : هب أنه ثبت بالدليل أن
الكواكب والشمس والقمر لا تصلح للربوبية والإلهية لكن لا يلزم من هذا القدر نفي الشريك مطلقا وإثبات التوحيد ، فلم فرع على قيام الدليل على كون هذه الكواكب غير صالحة للربوبية الجزم بإثبات التوحيد مطلقا ؟
والجواب : أن القوم كانوا مساعدين على نفي سائر الشركاء ، وإنما نازعوا في هذه الصورة المعينة فلما ثبت بالدليل أن هذه الأشياء ليست أربابا ولا آلهة ، وثبت بالاتفاق نفي غيرها لا جرم حصل الجزم بنفي الشركاء على الإطلاق .
أما قوله : (
إني وجهت وجهي ) ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : فتح الياء من " وجهي "
نافع وابن عامر وحفص عن
عاصم ، والباقون تركوا هذا الفتح .
المسألة الثانية : هذا الكلام لا يمكن حمله على ظاهره ؛ بل المراد وجهت عبادتي وطاعتي ، وسبب جواز هذا المجاز أن
من كان مطيعا لغيره منقادا لأمره ، فإنه يتوجه بوجهه إليه ، فجعل توجيه الوجه إليه كناية عن الطاعة .
وأما قوله : (
للذي فطر السماوات والأرض ) ففيه دقيقة : وهي أنه لم يقل وجهت وجهي إلى الذي فطر السماوات والأرض . بل ترك هذا اللفظ وذكر قوله : (
وجهت وجهي للذي ) والمعنى : أن توجيه وجه القلب ليس إليه ؛ لأنه متعال عن الحيز والجهة ، بل توجيه وجه القلب إلى خدمته وطاعته لأجل عبوديته ، فترك كلمة "إلى" هنا والاكتفاء بحرف اللام دليل ظاهر على كون المعبود متعاليا عن الحيز والجهة ، ومعنى فطر أخرجهما
[ ص: 48 ] إلى الوجود ، وأصله من الشق ، يقال : تفطر الشجر بالورق والورد إذا أظهرهما ، وأما الحنيف فهو المائل قال
nindex.php?page=showalam&ids=11873أبو العالية : الحنيف الذي يستقبل البيت في صلاته ، وقيل : إنه العادل عن كل معبود دون الله تعالى .