(
ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شيء وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون )
قوله تعالى : (
ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شيء وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون )
اعلم أن قوله : (
ثم آتينا ) فيه وجوه :
الأول : التقدير : ثم إني أخبركم بعد تعديد المحرمات وغيرها من الأحكام ، أنا آتينا
موسى الكتاب ، فذكرت كلمة "ثم" لتأخير الخبر عن الخبر ، لا لتأخير الواقعة ، ونظيره قوله تعالى : (
ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ) [الأعراف : 11] .
والثاني : إن التكاليف التسعة المذكورة في الآية المتقدمة لا يجوز اختلافها بحسب اختلاف الشرائع بل هي أحكام واجبة الثبوت من أول زمان التكليف إلى قيام القيامة .
وأما الشرائع التي كانت التوبة مختصة بها ، فهي إنما حدثت بعد تلك التكاليف التسعة ، فتقدير الآية : أنه تعالى لما ذكرها قال : ذلكم وصاكم به يا بني آدم قديما وحديثا ، ثم بعد ذلك آتينا
موسى الكتاب .
الثالث : إن فيه حذفا تقديره : ثم قل يا
محمد إنا آتينا
موسى ، فتقديره : اتل ما أوحي إليك ، ثم اتل عليهم خبر ما آتينا
موسى .
أما قوله : (
تماما على الذي أحسن ) ففيه وجوه :
الأول : معناه
تماما للكرامة والنعمة على الذي أحسن . أي : على كل من كان محسنا صالحا ، ويدل عليه قراءة
عبد الله ( على الذين أحسنوا ) .
والثاني : المراد تماما للنعمة والكرامة على العبد الذي أحسن الطاعة بالتبليغ ، وفي كل ما أمر به .
والثالث : تماما على الذي أحسن
موسى من العلم والشرائع ، من أحسن الشيء إذا أجاد معرفته ، أي زيادة على علمه على وجه التتميم ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=17344يحيى بن يعمر ( على الذي أحسن ) أي على الذي هو أحسن بحذف المبتدأ كقراءة من قرأ ( مثلا ما بعوضة )
[ ص: 5 ] بالرفع ، وتقدير الآية : على الذي هو أحسن دينا وأرضاه ، أو يقال : المراد آتينا
موسى الكتاب تماما ، أي تاما كاملا على أحسن ما تكون عليه الكتب ، أي على الوجه الذي هو أحسن وهو معنى قول
الكلبي : أتم له الكتاب على أحسنه ، ثم بين تعالى
ما في التوراة من النعم في الدين وهو تفصيل كل شيء ، والمراد به ما يختص بالدين فدخل في ذلك بيان نبوة رسولنا صلى الله عليه وسلم : دينه ، وشرعه ، وسائر الأدلة والأحكام إلا ما نسخ منها ولذلك قال : (
وهدى ورحمة ) والهدى معروف وهو الدلالة ، والرحمة هي النعمة (
لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون ) أي : لكي يؤمنوا بلقاء ربهم ، والمراد به لقاء ما وعدهم الله به من ثواب وعقاب .